الطُّلُوعِ مُحَرَّمًا أَلْبَتَّةَ كَمَا قُلْنَا فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ طَلَعَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْوَطْءِ فَنَزَعَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الْمَعْذُورُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَهَا عَلَى النَّزْعِ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ أَمْ تَرْكٌ لِلْجِمَاعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ قُرْبَ وَقْتِ حَيْضِهَا ثُمَّ وَطِئَ وَهُوَ يَخْشَى مُفَاجَأَةَ الْحَيْضِ هُوَ شَبِيهٌ بِمَسْأَلَةِ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْمَنْعُ بَعْدَ وُجُودِ الْحَيْضِ وَقَدْ تَرَكَ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْوَطْءِ فِي لَيْلِ الصِّيَامِ إنَّهُ إنْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ وَأَنَّهُ فِي مُهْلَةٍ مِنْهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ خَشِيَ مُفَاجَأَةَ الْفَجْرِ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى مَكْرُوهٍ أَوْ مُحَرَّمٍ ابْتِدَاءً
النَّوْعُ الثَّالِثُ أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي فِعْلٍ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ
، فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَثْبُتْ حِينَئِذٍ أَمْ لَا يُبَاحُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ إتْمَامَهُ يَقَعُ حَرَامًا فِيهِ لِأَصْحَابِنَا قَوْلَانِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَمِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَتَى أَوْلَجَ فِي هَذَا الْوَقْتِ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُولِجٌ فَحَكَى الْأَصْحَابُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ رِوَايَتَيْنِ بَنَوْهُمَا عَلَى أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ أَوْ لَيْسَ بِجِمَاعٍ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي التَّحْرِيمَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ لَمَسَ بَدَنَهَا لِشَهْوَةٍ فَلَمْسُ الْفَرْجِ بِالْفَرْجِ أَوْلَى بِخِلَافِ الصَّائِمِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالْوَطْءِ وَيُمْكِنُ مَنْعُ كَوْنِ النَّوْعِ وَطْئًا. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ ضَرُورَةً تَرَكَ الْوَطْءَ الْحَرَامَ قُلْنَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ إلَّا بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ ضَرُورَةً وَهُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ بِلَحْمٍ مُبَاحٍ لَا يُمْكِنُهُ أَكْلُهُ إلَّا بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ فَإِنَّ الْجَمِيعَ مُحَرَّمٌ انْتَهَى. وَلَيْسَ هَذَا مُطَابِقًا لِمَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْوَطْءِ هُنَا مُنْفَرِدٌ عَنْ الْحَرَامِ مُتَمَيِّزٌ عَنْهُ لَمْ يَشْتَبِهْ بِحَرَامٍ أَوْ لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ لِلْحَرَامِ لَمْ يَبْقَ هَهُنَا حَرَامٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّزْعَ هَهُنَا مُقَارِنٌ الْبَيْنُونَةَ فَيُمْكِنُ النِّزَاعُ فِي تَحْرِيمِهِ كَمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي تَرَتُّبِ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مَعَهُ وَأَمَّا الْإِيلَاجُ فَمُقَارِنٌ لِشَرْطِ الْبَيْنُونَةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُقَارِنَ لِلشَّرْطِ كَالْمُقَارِنِ لِلْمَشْرُوطِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَبْلَهَا تَوَجَّهَ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا. وَأَيْضًا فَمَنْ يَقُولُ النَّزْعُ جُزْءٌ مِنْ الْجِمَاعِ وَإِنَّ الْجِمَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيلَاجِ وَالنَّزْعِ يَلْتَزِمُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ إنَّمَا يَقَعَانِ بَعْدَ النَّزْعِ لَا قَبْلَهُ فَلَا يَحْصُلُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ وَلَا مُظَاهَرٍ مِنْهَا وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُفْطِرَ الصَّائِمُ بِالْإِيلَاجِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إذَا نَزَعَ بَعْدَهُ لِأَنَّ مُفْطِرَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute