للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَبْضٍ فَقَدْ مَرَّ نَصَّ أَحْمَدَ بِجَوَازِ التَّوْكِيلِ فِيهَا، وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فَقِيَاسُهُ سَائِرُ الصَّدَقَاتِ، وَتَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْهِبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْعَقْدِ، وَأَمَّا إذَا عَيَّنَهَا الْمَالِكُ مِنْ مَالِهِ وَأَفْرَدَهَا فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ صَدَقَةً وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِدُونِ قَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ قَبُولِهِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهَا إذَا تَلِفَتْ بَعْدَ تَعَيُّنِهَا لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ فَاسْتَحَبَّ إمْضَاءَهَا وَكَرِهَ الرُّجُوعَ فِيهَا، وَنُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ جَعَلَهُ الرَّجُلُ لِلَّهِ يُمْضِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَمْضَاهُ وَنَقَلَ عَنْهُ جَيْشُ بْنُ سِنْدِيٍّ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ تَصَدَّقْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ إنَّ الدَّافِعَ جَاءَ فَقَالَ رُدَّ إلَيَّ الدَّرَاهِمَ، مَا يَصْنَعُ الْمَدْفُوعُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ؟ قَالَ لَا يَرُدُّهَا عَلَيْهِ يُمْضِيهَا فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَنَقَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَعْنَاهُ وَحَمَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

وَقَالَ ابْنَ عَقِيلٍ لَا أَعْلَمُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَجْهًا وَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَمَا يَقُولُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْقَوْلِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي تَعْيِينِهِ بِالنِّيَّةِ وَجْهَانِ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ صَدَقَةٌ تَعَيَّنَتْ وَصَارَتْ فِي حُكْمِ الْمَنْذُورَةِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ هَلْ ذَلِكَ إنْشَاءٌ لِلنَّذْرِ أَوْ إقْرَارٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَإِذَا عَيَّنَ بِنِيَّتِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا صَدَقَةً وَعَزَلَهَا عَنْ مَالِهِ فَهُوَ كَمَا اشْتَرَى شَاةً يَنْوِي التَّضْحِيَةَ بِهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سُقُوطُ الزَّكَاةِ عَنْهُ بِتَلَفِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ الْإِمَامِ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَ عَنْ الْهَدْيِ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ هَدْيًا فَعَطِبَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إبْدَالُهُ وَإِنْ قُلْنَا فِي الْعَيْنِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا لِفَوَاتِ قَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِيصَالُهُ أَيْضًا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ بِدُونِهِ، وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّمْيِيزِ وَلَوْ حَصَلَ التَّمْكِينُ مِنْ الْقَبْضِ مَنْ فِعْلُ الدَّفْعِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَكَيْفَ إذَا [لَمْ] يَحْصُلْ التَّمْكِينُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ مَنْ تَصَرَّفَ فِي عَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى]

(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ) : مَنْ تَصَرَّفَ فِي عَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ إنْ كَانَ الْحَقُّ مُسْتَقِرًّا فِيهَا بِمُطَالَبَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِحَقِّهِ أَوْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ لَمْ يَنْفُذْ التَّصَرُّفُ وَلَمْ يُوجَدْ سِوَى تَعَلُّقِ الْحَقِّ لِاسْتِيفَائِهِ مِنْهَا صَحَّ التَّصَرُّفُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لَا يَصِحُّ حَيْثُ قَالَ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ الشَّفِيعِ وَلَا رَهْنُ الْجَانِي، وَكَلَامُهُ فِي الشَّافِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا يَصِحُّ فِي قَدْرِهَا، وَكَذَلِكَ اخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْجَانِي بِالْبَيْعِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِعَيْنِهِ

<<  <   >  >>