للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابْنِ الْحَكَمِ فِيمَنْ أَسَرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ أَنَّهَا مِلْكُهُ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَهُ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ زَالَ انْتِفَاعُ الْمَالِكِ وَسُلْطَانُهُ ثَبَتَ الضَّمَانُ وَإِلَّا فَلَا، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ:

(مِنْهَا) لَوْ غَصَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا مَالِكُهَا وَمَتَاعُهُ فَفِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ اسْتَوْلَى عَلَى حُرٍّ كَبِيرٍ لَمْ يَضْمَنْ ثِيَابَهُ ; لِأَنَّهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ صَغِيرًا. وَقُلْنَا لَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ فَفِي ثِيَابِهِ وَجْهَانِ نَظَرًا إلَى [أَنَّ] يَدَهُ لَا قُوَّةَ لَهَا عَلَى الْمَنْعِ وَهَذَا يَشْهَدُ لِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الِامْتِنَاعِ فِي انْتِفَاءِ الضَّمَانِ.

(وَمِنْهَا) لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَسَافَةٍ فَزَادَ عَلَيْهَا أَوْ لِحَمْلِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ وَهِيَ فِي يَدِ الْمُؤَجِّرِ فَتَلِفَتْ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ بِالزِّيَادَةِ، وَسُكُوتُ الْمَالِكِ لَا يَمْنَعُ الضَّمَانَ كَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَهُ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ. وَفِي التَّلْخِيصِ لَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ تَلِفَتْ بِالْحَمْلِ فَفِي تَكْمِيلِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَتَنْصِيفِهِ وَجْهَانِ، وَيَتَوَجَّهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ الضَّمَانُ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ كَمَنْ غَصَبَ دَابَّةً وَأَكْرَهَ الْمَالِكَ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ فَإِنَّ هَذَا زِيَادَةُ عُدْوَانٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الضَّمَانُ.

(وَمِنْهَا) الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إذَا جَنَتْ يَدُهُ عَلَى الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْعَمَلِ فِيهَا وَيَدُ صَاحِبِهَا ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، قَالَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْغَاصِبُ لَا يَضْمَنُ مَا دَامَ يَدُ صَاحِبِهِ ثَابِتَةً عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَمُرَادُهُ بِثُبُوتِ يَدِ صَاحِبِهِ ثُبُوتُ سُلْطَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ إلَى يَدِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعُودُ تَصَرُّفُهُ إلَيْهِ، مِثْلُ إنْ رَهَنَهُ عَبْدُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ فِيهِ لَمْ يَبْرَأْ بِذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ مِلْكُهُ.

(وَمِنْهَا) لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ جَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْمَالِكُ جَالِسٌ فِي الدَّارِ أَوْ عَلَى الْبِسَاطِ فَفِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ لَا ضَمَانَ وَعَلَّلَ بِانْتِفَاءِ الْحَيْلُولَةِ وَرَفْعِ الْيَدِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ إنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَرَفَعَ يَدَهُ عَنْهَا ضَمِنَ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اشْتِرَاطِ الْحَيْلُولَةِ وَالْقَهْرِ لِلضَّمَانِ وَفِي التَّلْخِيصِ لَوْ دَخَلَ دَارَ الْمَالِكِ وَهُوَ فِيهَا قَاصِدٌ لِلْغَصْبِ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلنِّصْفِ لِاجْتِمَاعِ يَدِهِمَا وَاسْتِيلَائِهِمَا بِشَرْطِ قُوَّةِ الدَّاخِلِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَهْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ غَائِبًا فَالدُّخُولُ غَصْبٌ بِكُلِّ حَالٍ لِحُصُولِ الِاسْتِيلَاءِ بِهِ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي خِلَافِهِ أَنَّ الْجَالِسَ عَلَى بِسَاطِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا جَلَسَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَالدَّاخِلُ إنْ دَخَلَ بِنِيَّةِ الْغَصْبِ صَارَ غَاصِبًا.

(وَمِنْهَا) لَوْ أَرْدَفَ الْمَالِكُ خَلْفَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَتَلِفَتْ فَهَلْ يَضْمَنُ الرَّدِيفُ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِكَوْنِهِ مُسْتَعِيرًا أَمْ لَا لِثُبُوتِ يَدِ الْمَالِكِ عَلَيْهَا ذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ احْتِمَالَيْنِ وَصَحَّحَ لِلثَّانِي.

[تَنْبِيه كَانَتْ الْعَيْنُ مِلْكًا لِاثْنَيْنِ فَرَفَعَ الْغَاصِبُ يَدَ أَحَدِهِمَا وَوَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ يَدِهِ وَأَقَرَّ الْآخَرَ]

تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ مِلْكًا لِاثْنَيْنِ فَرَفَعَ الْغَاصِبُ يَدَ أَحَدِهِمَا وَوَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ يَدِهِ وَأَقَرَّ الْآخَرَ عَلَى حَالِهِ فَهَلْ يَكُونُ غَاصِبًا لِنَصِيبِ رَفْعِ يَدِهِ خَاصَّةً أَمْ هُوَ غَاصِبٌ لِنِصْفِ الْعَيْنِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مُشَاعًا

<<  <   >  >>