للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا كَثِيرًا. وَيَحْصُلُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا، أَنَّهُ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرِ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

وَالثَّانِي: تَعَلُّقُ اسْتِيفَاءٍ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَلُّقُ رَهْنٍ وَيَنْكَشِفُ هَذَا النِّزَاعُ بِتَحْرِيرِ مَسَائِلَ:

(مِنْهَا) أَنَّ الْحَقَّ هَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ النِّصَابِ أَوْ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ؟ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى الثَّانِي.

(وَمِنْهَا) أَنَّهُ مَعَ التَّعَلُّقِ بِالْمَالِ هَلْ يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ أَمْ لَا؟

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتْلَفَ الْمَالُ أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمَالِكُ بَعْدَ الْحَوْلِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّا إذَا قُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ اسْتِيفَاءٍ مَحْضٍ كَتَعَلُّقِ الدُّيُونِ بِالتَّرِكَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بْنِ تَيْمِيَّةَ وَهُوَ حَسَنٌ

(وَمِنْهَا) مَنْعُ التَّصَرُّفِ وَالْمَذْهَبُ أَنْ لَا يَمْنَعَ كَمَا سَبَقَ.

(وَمِنْهَا) أَعْنِي صُوَرَ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالْأَمْوَالِ تَعَلُّقَ حَقِّ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ بِمَالِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَهُوَ تَعَلُّقُ اسْتِحْقَاقِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ.

(وَمِنْهَا) تَعَلُّقُ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ هَذَا التَّعَلُّقَ هَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ السَّيِّدِ مِنْهُ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ مَعَ سَيِّدِهِ أَوْ لَا؟ كَالْمَرْهُونِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاهِن عَلَى احْتِمَالَيْنِ وَهَذَا لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ تَعَلُّقُ دُيُونِهِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِنَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ بِبِنَاءِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا.

(وَمِنْهَا) تَعَلُّقُ حُقُوقِ الْفُقَرَاءِ بِالْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ الْمُعَيَّنَةِ وَيُقَدِّمُونَ بِمَا يَجِبُ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ مِنْهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ فِي حَيَاةِ الْمُوجِبِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ.

[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالثَّمَانُونَ الْمِلْكُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ]

[النَّوْع الْأَوَّل مِلْكُ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ]

(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالثَّمَانُونَ) : الْمِلْكُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مِلْكُ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ، وَمِلْكُ عَيْنٍ بِلَا مَنْفَعَةٍ، وَمِلْكُ مَنْفَعَةٍ بِلَا عَيْنٍ، وَمِلْكُ انْتِفَاعٍ مِنْ غَيْرِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ.

أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَامَّةُ الْأَمْلَاكِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهَا مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِرْثٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ ذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ لَا يَمْلِكُونَ الْأَعْيَانَ وَإِنَّمَا مَالِكُ الْأَعْيَانِ خَالِقُهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَّ الْعِبَادَ لَا يَمْلِكُونَ سِوَى الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا فَمَنْ كَانَ مَالِكًا لِعُمُومِ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ الْمَالِكُ الْمُطْلَقُ وَمَنْ كَانَ مَالِكًا لِنَوْعٍ مِنْهُ فَمِلْكُهُ مُقَيَّدٌ وَيَخْتَصُّ بِاسْمٍ خَاصٍّ يَمْتَازُ بِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

<<  <   >  >>