وَثِقَ بِتَوْفِيَتِهِمْ الدَّيْنَ (انْتَهَى) وَلَا رَيْبَ أَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ تَتَعَلَّقُ بِهَا أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ وَهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْوَصِيِّ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْضًا فِي إيفَائِهِ الدُّيُونَ وَغَيْرَهَا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فَالْمُتَوَجَّهُ هُوَ الدَّفْعُ إلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ جَمِيعِهِمْ وَلَا يَمْلِكُونَ الدَّفْعَ إلَى الْغُرَمَاءِ بِانْفِرَادِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَصَّى بِهَا رَبُّهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَنَّ الْمُودَعَ لَا يَدْفَعُهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ. فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَلَكِنْ يَجْمَعُ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُ فَإِنْ أَجَازُوا وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْهِمْ جَمِيعًا وَلَعَلَّ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يُثْبِتْ الْوَصِيَّةَ فِي الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا الْمُودَعُ يَدَّعِي ذَلِكَ وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ قَالَ إنْ أَجَازُوا لِغَيْرِ الْوَرَثَةِ وَإِلَّا فَالْعَيْنُ الْمُوصَى بِهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ لَا حَقَّ فِيهَا لِلْوَرَثَةِ وَلَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُوصِي بِهِ لِمُعَيَّنٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى الْمُوصِي وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِدُونِ الدَّفْعِ إلَى الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ جَمِيعًا ; لِأَنَّهَا كَالدَّيْنِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَقَضَى رَبُّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ مُتَصَرِّفًا فِي حُقُوقِهِمْ وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ مَعَ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ مُسْتَحَقٍّ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ مَعَ وُجُودِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْقَوَاعِدِ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ عَشَرَ التَّدْبِيرُ هَلْ هُوَ وَصِيَّةٌ أَوْ عِتْقٌ بِصِفَةٍ]
[الثَّالِثَةُ عَشَرَ] التَّدْبِيرُ هَلْ هُوَ وَصِيَّةٌ أَوْ عِتْقٌ بِصِفَةٍ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا فَوَائِدُ كَثِيرَة: (مِنْهَا) لَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ هَلْ يُعْتَقُ وَفِيهِ طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إنْ قُلْنَا: هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ عَتَقَ وَإِنْ قُلْنَا: وَصِيَّةٌ لَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إذَا قَتَلَ الْمُوصِيَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ لَمْ يُعْتَقْ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى مَوْتِهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ.
(وَمِنْهَا) بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَهِبَتُهُ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ ; لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيقٌ بِصِفَةِ وَكِلَاهُمَا لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ قَبْلَ الصِّفَةِ وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِالْمَنْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَيَكُونُ لَازِمًا كَالِاسْتِيلَاءِ.
(وَمِنْهَا) اعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَنَقَلَ حَنْبَل أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُتَخَرَّجٌ عَلَى أَنَّهُ عِتْقٌ لَازِمٌ كَالِاسْتِيلَاءِ.
(وَمِنْهَا) إبْطَالُ التَّدْبِيرِ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْقَوْلِ وَفِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ بَنَاهُمَا الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ: هُوَ وَصِيَّةٌ جَازَ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَإِنْ قُلْنَا: عِتْقٌ فَلَا وَلِلْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقِهِمَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ وَصِيَّةٌ ; لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ نَتَجَتْ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْوَصَايَا وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِالْوَصِيَّةِ لِجِهَاتِ الْبِرِّ وَلِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ بِنَاءُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ بِالْبَيْعِ أَمَّا إنْ قُلْنَا: يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِالْفِعْلِ فَالْقَوْلُ أَوْلَى.
(وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ الْمُدَبَّرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهَلْ يَكُونُ بَيْعُهُ رُجُوعًا فَلَا يَعُودُ تَدْبِيرُهُ أَوْ لَا يَكُونُ رُجُوعًا فَيَعُودُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا بَنَاهُمَا الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَإِنْ قُلْنَا التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ بَطَلَتْ بِخُرُوجِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute