بِوَارِثٍ مَعَهُ وَالتَّرِكَةُ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى أَبِيهِ وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ وَقَبِلَ وَارِثُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ هُوَ دُونَ مَوْرُوثِهِ عَلَى قَوْلِنَا بِمِلْكِ الْوَصِيَّةِ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ
(وَمِنْهَا) رُجُوعُ بَائِعِ الْمُفْلِسِ فِي عَيْنِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُفْلِسِ وَيُحْتَمَلُ بِنَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَإِنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ امْتَنَعَ رُجُوعُهُ وَبِهِ عَلَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ يَرْجِعُ بِهِ وَلَا سِيَّمَا وَالْحَقُّ هُنَا مُتَعَلِّقٌ فِي الْحَيَاةِ تَعَلُّقًا مُتَأَكِّدًا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً بِسُقُوطِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الرَّهْنِ بِمَوْتِهِ فَيَكُونُ أُسْوَة الْغُرَمَاءِ كَغَرِيمِ الْمُفْلِسِ، حَكَاهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَهَذَا عَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ.
(وَمِنْهَا) مَا نَقَلَ البزراطي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ لِلْغُرَمَاءِ أَكْثَر مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ ابْنِهِ فَقَالَ ابْنُهُ لِغُرَمَائِهِ اُتْرُكُوا هَذَا الْأَلْفَ فِي يَدِي وَأَخِّرُونِي فِي حُقُوقِكُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى أُوَفِّيَكُمْ جَمِيعَ حُقُوقِكُمْ، قَالَ إذَا كَانُوا اسْتَحَقُّوا قَبْضَ هَذِهِ الْأَلْفِ وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُونَهُ لِيُوَفِّيَهُمْ لِأَجْلِ أَنْ يَتْرُكَهَا فِي يَدَيْهِ فَهَذَا لَا خَيْرَ لَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضُوا الْأَلْفَ مِنْهُ وَيُؤَخِّرُونَهُ فِي الْبَاقِي مَا شَاءُوا، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا تُخَرَّجُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَنْتَقِلُ قَالَ إنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ جَازَ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ، وَتَوْجِيهُ مَا قَالَ إنْ حَقَّ الْغُرَمَاءِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ دُونَ ذِمَّةِ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ مِنْ التَّعَلُّقِ بِشَرْطِ أَنْ يُوَفِّيَهُمْ الْوَرَثَةُ بَقِيَّةَ حُقُوقِهِمْ فَهُوَ إسْقَاطٌ بِعِوَضٍ غَيْرِ لَازِمٍ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ قِيلَ بِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ إلَى الْوَارِثِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ بِعِوَضٍ يَلْزَمُهُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ الِانْتِقَالِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِتَمْلِيكِهِ أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا مَعَ أَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ لَا خَيْرَ فِيهِ لَيْسَ تَصْرِيحًا بِالتَّحْرِيمِ فَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ. قَوْلُهُ وَيُؤَخِّرُونَهُ فِي الْبَاقِي مَا شَاءُوا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا تَصَرَّفُوا فِي التَّرِكَةِ صَارُوا ضَامِنِينَ جَمِيع الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِمْ فَيُطَالَبُونَ بِهِ وَمَتَى كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَمِ الْوَرَثَةِ قَوِيَ الْجَوَازُ ; لِأَنَّ انْتِقَالَهُ إلَى ذِمَمِهِمْ فَرْعُ انْتِقَالِ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ فَيَبْقَى كَالْمُفْلِسِ إذَا طَلَبَ مِنْ غُرَمَائِهِ الْإِمْهَالَ وَإِسْقَاطَ حُقُوقِهِمْ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لِيُوَفِّيَهُمْ إيَّاهَا كَامِلَةً إلَى أَجَلٍ.
(وَمِنْهَا) وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّرِكَةِ إذَا كَانَتْ دَيْنًا وَنَحْوَهُ هَلْ لِلْوَرَثَةِ خَاصَّةً أَمْ لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ وَلَمْ يُوصِ إلَيْهِ بِشَيْءٍ وَخَلَّفَ عَلَيْهِ دَيْنًا يَجُوزُ لِهَذَا الْمُودِعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدِ الْمَيِّتِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ أَصْحَابُ الدَّيْنِ جَمِيعًا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُودِعٌ وَيَخَافُ تَبِعَتَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ لِيَخْلُفُوا جَمِيعَ أَصْحَابِ الدَّيْنِ وَالْوَرَثَةَ يُسْلِمُ إلَيْهِمْ وَنَقَلَ صَالِحٌ نَحْوَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ وِلَايَةَ الْمُطَالَبَةِ وَالرُّجُوعَ عَلَى الْمُودَعِ إذَا سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَرَثَةِ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ قَالَ ; لِأَنَّ التَّرِكَةَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ وَلَهُمْ الْوَفَاءُ مِنْ غَيْرِهَا.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إنْ قُلْنَا: التَّرِكَةُ مِلْكٌ لَهُمْ فَلَهُمْ وِلَايَةُ الطَّلَبِ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ عِنْدِي إنَّ نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْغُرَمَاءَ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُمْ بِالتَّرِكَةِ كَالرَّهْنِ وَالْجَانِي فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى بَعْضِهِمْ قَالَ وَإِنَّمَا الْمُشْكِلُ أَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى الْوَرَثَةِ بِمُفْرَدِهِمْ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute