وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُسْتَرَدُّ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي النَّفَقَةِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ صُرِفَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخِلَافِ فَاضِلِ النَّفَقَةِ وَيَمْلِكُهَا بِخُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ بِخِلَافِ الْغَازِي نَصَّ [عَلَيْهِ أَحْمَدُ] فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ فَهُوَ ابْنُ سَبِيلٍ لَهُ حَقٌّ فِي الزَّكَاةِ، وَالْغَازِي إنَّمَا أُعْطِيَ لِلْغَزْوِ فَلَا يَمْلِكُ بِدُونِهِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِسَبَبٍ فَانْتَفَى وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ مُبِيحٌ لِلْأَخْذِ أَنَّ لَهُ الْإِمْسَاكَ بِالسَّبَبِ الثَّانِي وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ.
وَمِنْهَا إذَا أَخَذَ الْغَازِي نَفَقَةً أَوْ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ عَقْدًا جَائِزًا لَا لَازِمًا وَهُوَ إعَانَةٌ عَلَى الْجِهَادِ لَا اسْتِئْجَارَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ وَالْفَرَسُ مَعَهُ مَلَكَهَا مَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا أَوْ عَارِيَّةً نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَا يَمْلِكُهَا حَتَّى يَغْزُوَ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَيَكُونُ تَمْلِيكًا بِشَرْطٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُرَاعًى بِشَرْطِ الْغَزْوِ فَإِنْ غَزَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَإِنَّ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَكَذَلِكَ عُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ وَإِنْ فَضَلَ مَعَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ فَهُوَ كَالْفَرَسِ وَإِنْ فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَمْلِكُهَا أَيْضًا نَقَلَهَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ.
وَالثَّانِيَة: يَرُدُّ الْفَاضِلَ فِي الْغَزْوِ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ صُرِفَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاسْتُعْمِلَتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهَا بِخِلَافِ مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ فَأَمَّا إنْ أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَقَالَ الْخِرَقِيِّ وَالْأَكْثَرُونَ لَا تُسْتَرَدُّ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ وَجْهَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ مَالِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ تَكُونُ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي النَّفَقَةِ لِمَا قَدَّمْنَا.
[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ اشْتِرَاطُ نَفْعِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْعَقْدِ]
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ) : اشْتِرَاطُ نَفْعِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْعَقْدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ اسْتِئْجَارًا لَهُ مُقَابَلًا بِعِوَضٍ فَيَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَاشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ خِيَاطَةَ الثَّوْبِ أَوْ قِصَارَتَهُ أَوْ حَمْلَ الْحَطَبِ وَنَحْوَهُ، وَلِذَلِكَ يَزْدَادُ بِهِ الثَّمَنُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ إلْزَامًا لَهُ لِمَا لَا يَلْزَمُهُ بِالْعَقْدِ بِحَيْثُ يَجْعَلُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَوَازِمِهِ مُطْلَقًا وَلَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ فَلَا يَصِحُّ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا اشْتِرَاطُ مُشْتَرِي الزَّرْعِ الْقَائِمِ فِي الْأَرْضِ حَصَادَهُ عَلَى الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ وَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي فَسَادِهِ بِهِ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ حَصَادَ الزَّرْعِ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ.
وَمِنْهَا: اشْتِرَاطُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute