للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَخَرَّجَهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ كَشِرَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ يَنْفَسِخُ، وَتَوَجَّهَ بِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ قَهْرِيٌّ يَقْتَضِي تَمَلُّكَ مَا لَا يُتَمَلَّكُ مِثْلُهُ بِالْعُقُودِ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ بِهِ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ مُسْتَأْجَرِهَا فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَأَيْضًا فَقَدْ يَنْبَنِي هَذَا عَلَى الْمَنَافِعِ الْمُسْتَأْجَرَةِ هَلْ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ قُلْنَا بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَانْتِقَالِهَا إلَيْهِ، هَذَا إذَا كَانَ ثُمَّ وَارِثٌ سِوَاهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ اسْتِحْقَاقُ بَقِيَّةِ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ وَارِثٌ سِوَاهُ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِوَضَ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ لِغَيْرِهِ وَقَدْ مَاتَ مُفْلِسًا بَعْدَ أَنْ أَسْلَفَهُ الْأُجْرَةَ.

وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى طَلْعًا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي رُءُوسِ نَخْلَةٍ بِشَرْطِ قَطْعِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أَصْلَهُ فِي الْحَالِ، فَهَلْ يَتَخَرَّجُ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ فِي الطَّلْعِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْفَعَةِ لِتَبَعِهِ فِي الْبَيْعِ أَمْ لَا ; لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُسْتَقِلَّةٌ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.

[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَارِ ثُمَّ زَالَتْ وِلَايَتُهُ]

(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ) : مَنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَارِ ثُمَّ زَالَتْ وِلَايَتُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؟ هَذَا قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ إجَارَتُهُ إجَارَةً بِوِلَايَةٍ مَحْضَةٍ، فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا مَحْضًا فَالْكَلَامُ فِي مُوَكِّلِهِ دُونَهُ.

وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِالتَّصَرُّفِ فَإِنْ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى غَيْرِهِ، لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ; لِأَنَّ الْوَلِيَّ الثَّانِي يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ كَمَا يَقُومُ الْمَالِكُ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ زَالَتْ الْوِلَايَةُ عَنْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَصَبِيٍّ يَبْلُغُ بَعْدَ إيجَارِهِ أَوْ إيجَارِ عَقَارِهِ وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ، فَفِي الِانْفِسَاخِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ لَهُ تَصَرُّفًا لَازِمًا فَلَا تَنْفَسِخُ بِبُلُوغِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ أَوْ بَاعَ عَقَارَهُ.

وَالثَّانِي: يَنْفَسِخُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَجْهًا لِأَنَّهُ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَأَشْبَهَ إجَارَةَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لِلْوَقْفِ إذَا انْقَرَضَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ يَنْبَرِمُ فِي الْحَالِ وَتَنْقَطِعُ عَلَقَتُهُ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ بُلُوغُهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَكَذَا النِّكَاحُ يَنْبَرِمُ مِنْ حِينِهِ، الْمَاتَمْرَغِيُّ الْمَهْرُ فِيهِ بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ; لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَتَقَسَّطُ فِيهَا عَلَى الْمُدَّةِ وَلَا يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ شَيْئًا بَعْدَ الشَّيْءِ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ إنْ أَجَّرَهُ مُدَّةً يَعْلَمُ بُلُوغَهُ فِيهَا قَطْعًا لَمْ يَصِحَّ فِي الزَّائِدِ، وَيُخَرَّجُ الْبَاقِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ إجَارَتُهُ بِمِلْكٍ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُ بِالْقَهْرِ مَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ، فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِمِلْكِهِ الْمَنَافِعَ الْبَاقِيَةَ مِنْهَا، وَدَخَلَ تَحْتَ هَذَا إذَا أَجَّرَ مُسْلِمٌ شَيْئًا ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ، وَإِذَا أَجَّرَ الْحَرْبِيُّ شَيْئًا لِحَرْبِيٍّ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، أَمَّا إنْ أَجَّرَ الْحَرْبِيُّ شَيْئًا لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَالْإِجَارَةُ بَاقِيَةٌ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكٌ لِمَعْصُومٍ فَلَا تُمْلَكُ.

<<  <   >  >>