لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ، وَالشَّفَاعَةُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا، وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي السُّنَنِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَدَّاهَا فَأُهْدِيَتْ إلَيْهِ هَدِيَّةٌ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ، وَحُكْمُ الْهَدِيَّةِ عِنْدَ أَدَاءِ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ.
وَمِنْهَا: مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ فِيمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا ثُمَّ اسْتَزَادَ الْبَائِعَ فَزَادَهُ ثُمَّ رَدَّ اللَّحْمَ بِعَيْبٍ فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِ اللَّحْمِ ; لِأَنَّهَا أُخِذَتْ بِسَبَبِ اللَّحْمِ فَجَعَلَهَا تَابِعَةً لِلْعَقْدِ فِي الرَّدِّ ; لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة بِسَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَاحِقَةٍ بِهِ.
وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَأْخُوذَةً فِي الْمَجْلِسِ فَلَحِقَتْ بِالْعَقْدِ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْهَا رِوَايَةً بِلُحُوقِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَالْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: مَاحَكَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَوْلَى يَتَزَوَّجُ الْعَرَبِيَّةَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهَا بَعْضَ الْمَهْرِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا يَرُدُّوهُ، وَإِنْ كَانَ أَهْدَى هَدِيَّةً يَرُدُّونَهَا عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ ; لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْعَقْدِ فَإِذَا زَالَ مَلَكَ الرُّجُوعَ بِهَا كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الثَّوَابِ انْتَهَى.
وَهَذَا فِي الْفُرْقَةِ الْقَهْرِيَّةِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ وَنَحْوِهَا ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الْفُرْقَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ الْمُقَسِّطَةُ لِلْمَهْرِ فَأَمَّا النَّسْخُ الْمُقَرَّرُ لِلْمَهْرِ أَوْ نِصْفِهِ فَتَثْبُتُ مَعَهُ الْهَدِيَّةُ.
فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ لِغَيْرِ الْمُتَعَاقِدِينَ لِسَبَبِ الْعَقْدِ كَأُجْرَةِ الدَّلَّالِ وَنَحْوِهَا فَفِي النَّظَرِيَّاتِ لِابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ بِإِقَالَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَقِفْ عَلَى التَّرَاضِي فَلَا يَرُدُّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ فَسَخَ بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ رُدَّتْ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ، وَقِيَاسُهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ إنْ فُسِخَ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ أَوْ الْعَيْبِ رُدَّتْ، وَإِنْ فُسِخَ لِرِدَّةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُخَالَعَةٍ لَمْ تُرَدَّ.
[الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ دَلَالَةُ الْأَحْوَالِ يَخْتَلِفُ بِهَا دَلَالَةُ الْأَقْوَالِ]
(الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ) : دَلَالَةُ الْأَحْوَالِ يَخْتَلِفُ بِهَا دَلَالَةُ الْأَقْوَالِ فِي قَبُولِ دَعْوَى مَا يُوَافِقُهَا وَرَدِّ مَا يُخَالِفُهَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ بِمُجَرَّدِهَا، وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَالْخُصُومَةِ لَا يُقْبَلُ دَعْوَى إرَادَةِ غَيْرِ الطَّلَاقِ بِهَا.
وَمِنْهَا: كِنَايَاتُ الْقَذْفِ وَحُكْمُهَا كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ، حَتَّى إنَّ ابْنَ عَقِيلٍ جَعَلَهَا مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ صَرَائِحَ.
وَمِنْهَا: لَوْ تَلَفَّظَ الْأَسِيرُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ كُرْهًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْأَسْرَ دَلِيلُ الْإِكْرَاهِ وَالتَّقِيَّةِ.
وَمِنْهَا: لَوْ أَتَى الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْحِكَايَةِ وَقَالَ وَلَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى صِدْقِهِ، فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِلُزُومِ مَا أَقَرَّ بِهِ.
وَمِنْهَا: لَوْ أَقَرَّ الْمَحْبُوسُ أَوْ الْمَضْرُوبُ عُدْوَانًا ثُمَّ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ قُبِلَ قَوْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أُحْضِرَ إلَى سُلْطَانٍ فَأَقَرَّ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ دَهَشَ وَلَمْ يَعْقِلْ مَا أَقَرَّ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا.
وَيَتَخَرَّجُ قَبُولُهُ إذَا