أَضَافَ الثَّلَاثَةَ إلَى الْجَمِيعِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ أَرْسَلَ الثَّلَاثَ بَيْنَهُنَّ أَوْ عَلَيْهِنَّ.
وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِيهَا أَيْضًا ; لِأَنَّ إضَافَةَ الثَّلَاثِ إلَيْهِنَّ لَا يُنَافِي أَنْ يُوَزِّعَ الثَّلَاثَةَ عَلَى مَجْمُوعِهِنَّ لَا عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ.
وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ فَهَلْ الْمُرَادُ تَوْزِيعُ مَجْمُوعِ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ أَوْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ.
وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ بِكُلِّ صَدَقَةٍ وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ.
وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ الصَّدَقَاتُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْأَصْنَافَ مِنْهَا أَمْ لَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَجِبُ عَلَى ذَلِكَ تَبْغَضِينِي التَّوْفِيَةُ بِاسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ بِمَجْمُوعِ الصَّدَقَاتِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ الْقَاضِي يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ ; لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ يَسْقُطُ بِإِعْطَاءِ الْمُلَّاكِ لَهُمْ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ إيجَابُ الِاسْتِيعَابِ لِصَدَقَاتِ كُلِّ عَامٍ فَيَجُوزُ تَعْوِيضُهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ آخَرَ، وَمِمَّا يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: ٣] الْآيَةَ هَلْ اقْتَضَتْ مُقَابَلَةَ مَجْمُوعِ الْمُظَاهِرِينَ لِمَجْمُوعِ [نِسَائِهِمْ وَتَوْزِيعِهِ مَعَ كُلِّ مُظَاهِرٍ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ مُقَابَلَةَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْمُظَاهِرِينَ مَجْمُوعَ] نِسَائِهِ الْمُظَاهَرِ مِنْهُنَّ؟ قَرَّرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الثَّانِي وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُظَاهَرَةَ مِنْ جَمِيعِ الزَّوْجَاتِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُوجِبُ سِوَى كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] إلَى آخِرِ الْآيَةِ، أَنَّ الْمُرَادَ حُرِّمَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بَنَاتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَخَالَاتُهُ.
فَأَمَّا الْأُمَّهَاتُ فَجَعَلَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَفْرَادِ بِالْأَفْرَادِ قَالَ ; لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاحِدِ أُمَّانِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْوَاحِدَ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا مَا احْتَمَلَ الْجَمْعَ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ عَمَلُ حِيلَةٍ، وَالْأَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْكُلَّ مِمَّا قُوبِلَ فِيهِ الْوَاحِدُ بِالْوَاحِدِ وَالْجُمْلَةُ بِالْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْمَعْنَى حُرِّمَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ وَأُخْتُهُ إذْ لَوْ أُرِيدَ مُقَابَلَةُ الْوَاحِدِ بِالْجَمْعِ لَحَرَّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أُمَّهَاتِ الْجَمِيعِ وَبَنَاتِهِمْ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا.
[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ إطْلَاقُ الشَّرِكَةِ هَلْ يَتَنَزَّلُ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ أَوْ هُوَ مُبْهَمٌ يَفْتَقِرُ إلَى تَفْسِيرٍ]
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ) : إطْلَاقُ الشَّرِكَةِ هَلْ يَتَنَزَّلُ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ أَوْ هُوَ مُبْهَمٌ يَفْتَقِرُ إلَى تَفْسِيرٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي الْبَيْعِ.
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ مُبْهَمٌ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ مُخْتَارًا لَهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي الْبَيْعِ فِي خِلَافِهِ أَيْضًا يَنْزِلُ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ وَهَلْ يُقَالُ بِاسْتِحْقَاقِ الشَّرِيكِ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ أَوْ بِمَرْغِينَانَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى بِالْمَزْنِيَّةِ،