وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي كِتَابِ غُرَرِ الْبَيَانِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. فَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْأَمْلَاكِ إنَّمَا هِيَ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ وَلَكِنَّ التَّقْسِيمَ هَهُنَا وَارِدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ.
[النَّوْعُ الثَّانِي مِلْكُ الْعَيْنِ بِدُونِ مَنْفَعَةٍ]
ٍ وَقَدْ أَثْبَتَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لِوَاحِدٍ وَبِالرَّقَبَةِ لِآخَرَ أَوْ تَرْكِهَا لِلْوَرَثَةِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ ظَهْرِ دَابَّةٍ تُرْكَبُ أَوْ بِدَارٍ تُسْكَنُ. فَقَالَ: الدَّارُ لَا بَأْسَ بِهَا وَأَكْرَهُ الْعَبْدَ وَالدَّابَّةَ ; لِأَنَّهُمَا يَمُوتَانِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الدَّارَ تَخْرَبُ أَيْضًا وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى الْكَرَاهَةِ دُونَ إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُرِدْ أَحْمَدُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِمَا يَدُومُ نَفْعُهُ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ أَدْنَى مَنْ لَهُ نَظَرٌ فِي الْفِقْهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِمَامَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْعَبْدَ وَالدَّابَّةَ إذَا أَوْصَى بِمَنَافِعِهِمَا عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَمْ يَتْرُكْ لِلْوَرَثَةِ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الرَّقَبَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَنَافِعِ بَلْ هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ بِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ عَدَمَ الْمُضَارَّةِ لَكِنْ إنْ قَصَدَ الْمُوصِي إيصَالَ جَمِيعِ الْمَنَافِعِ إلَى الْمُوصَى لَهُ فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ بِالرَّقَبَةِ فَلَا يُحْتَسَبُ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ مَعَهَا بِالرَّقَبَةِ وَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ إبْقَاءَ الرَّقَبَةِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ الْإِيصَاءَ بِهَا لِآخَرَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِامْتِنَاعِ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ كُلُّهَا لِشَخْصٍ وَالرَّقَبَةُ لِآخَرَ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَيَبْطُلَانِ.
إمَّا إنْ وَصَّى فِي وَقْتٍ بِالرَّقَبَةِ لِشَخْصٍ وَفِي آخَرَ بِالْمَنَافِعِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَصَّى بِعَيْنٍ لِاثْنَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَمْلِيكَ جَمِيعِ الْمَنَافِعِ تَمْلِيكٌ لِلْعَيْنِ بِالرُّقْبَى وَالْعُمْرَى فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ لِلرَّقَبَةِ حَيْثُ كَانَتْ تَمْلِيكًا لِلْمَنَافِعِ فِي الْحَيَاةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ ; لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ خَاصَّةٍ يَنْتَهِي بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ وَبِخَرَابِ الدَّارِ فَيَعُودُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ كَمَا يَعُودُ الْمِلْكُ فِي السُّكْنَى فِي الْحَيَاةِ.
[النَّوْعُ الثَّالِث مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ بِدُونِ عَيْنٍ]
ٍ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مِلْكٌ مُؤَبَّدٌ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ صُوَرٌ:
(مِنْهَا) الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ كَمَا سَبَقَ وَيَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِهَا إلَّا مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ فَإِنَّ فِي دُخُولِهَا بِالْوَصِيَّةِ وَجْهَيْنِ.
(وَمِنْهَا) الْوَقْفُ فَإِنَّ مَنَافِعَهُ وَثَمَرَاتِهِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ لِرَقَبَتِهِ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ لَهُمَا فَوَائِدُ مُتَعَدِّدَةٌ.
(وَمِنْهَا) الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ الْمُقَرَّةُ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ بِالْخَرَاجِ يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا عَلَى التَّأْبِيدِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِلْكٌ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ فَمِنْهُ الْإِجَارَةُ وَمَنَافِعُ الْمَبِيعِ الْمُسْتَثْنَاةُ فِي الْعَقْدِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَمِنْهُ مَا هُوَ غَيْرُ مُوَقِّتٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْعَارِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ وَإِقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ.
[النَّوْعُ الرَّابِعُ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ الْمُجَرَّدِ]
ِ وَلَهُ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ: