وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ مِنْ الْوَكِيلِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْوِكَالَةِ لَا بُطْلَانَهَا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَصِيرُ مُتَصَرِّفًا بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ، وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَجْهًا آخَرَ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّ الْوِكَالَةَ تَبْطُلُ كَالْوَدِيعَةِ لِزَوَالِ الِائْتِمَانِ وَالْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ كَانَ مَنُوطًا بِهِ.
وَمِنْهَا: الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ إذَا تَعَدَّى فِيهِمَا كَالنَّهَالِيِّ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ فِيهِ وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ مِنْ الْوِكَالَةِ
وَمِنْهَا: الرَّهْنُ إذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِيهِ زَالَ ائْتِمَانُهُ وَبَقِيَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَمْ تَبْطُلْ تَوْثِقَته وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ احْتِمَالًا بِبُطْلَانِ الرَّهْنِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ وَحَقٌّ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدٍ وَقُلْنَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى تَقْبِيضِهِ فَكَيْفَ يَزُولُ بِالتَّعَدِّي.
وَمِنْهَا: إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِ شَيْءٍ مُدَّةً فَحَفِظَهُ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ تَرَكَ فَهَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: أَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ ; بَلْ يَزُولُ الِاسْتِئْمَانُ وَيَصِيرُ ضَامِنًا.
وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا شَهْرًا مَعْلُومًا فَجَاءَ إلَيْهِ فِي نِصْفِ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِيمَنْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ.
وَمِنْهَا: الْوَصِيُّ إذَا تَعَدَّى فِي التَّصَرُّفِ فَهَلْ يَبْطُلُ كَوْنُهُ وَصِيًّا أَمْ لَا؟ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ [فِيهِ] احْتِمَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَبْطُلُ بَلْ تَزُولُ أَمَانَتُهُ سَبْتِيَّةٌ ضَامِنًا كَالْوَكِيلِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الْأَمَانَةِ بِالتَّفْرِيطِ فَزَالَتْ وِلَايَتُهُ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا كَالْحَاكِمِ إذَا فَسَقَ.
وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا أَقْدَمَ عَلَى الْبَيْعِ بِدُونِ قِيمَةِ الْمِثْلِ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ بَيْعُ الْعَدْلِ الَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ لَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ الثَّمَنِ الْمُقَدَّرِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا لِأَنَّ الْأَمَانَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهِ، وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُغْنِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ عَلَّلَ بِمُخَالَفَةِ الْإِذْنِ وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِالْوَكِيلِ.
وَلِهَذَا أَلْحَقَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ بِبَيْعِ الْوَكِيل فَصَحَّحَاهُ وَضَمَّنَاهُ النَّقْصَ وَمِثْلُهُ إجَارَةُ النَّاظِرِ لِلْوَقْفِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.
[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ هَلْ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ أَوْ لَا]
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ) : فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ هَلْ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ أَوْ لَا؟ وَهِيَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوِكَالَةِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ إفْسَادَهَا لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْإِذْنِ لَكِنَّ أَحَدِيَّةٌ تَزُولُ بِفَسَادِهَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَسْمَاءُ الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ إلَّا مُقَيَّدَةً بِالْفَسَادِ.
وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ أَصْلِهَا أَنَّهَا شَرِكَةٌ حَنِثَ قَالَ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَالْمَنْعُ مِنْ