للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُحَرِّمُ جَمْعَ الثَّلَاثِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ مِنْ صُوَرِ التَّخْصِيصِ بِالشَّرْعِ وَقَدْ ذَكَرْنَا نَظَائِرَهَا فِي قَاعِدَةٍ سَبَقَتْ.

(وَمِنْهَا) إذَا قَالَ زَوْجَتِي طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ وَلَهُ زَوْجَتَانِ وَعَبِيدٌ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بِالْجَمِيعِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَدَدًا مُعَيَّنًا ; لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ الْمُضَافَ لِلْعُمُومِ فَهُوَ كَالْجَمْعِ الْمَعْرُوفِ. ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي احْتِمَالًا وَرَجَّحَهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مَعَ إطْلَاقِ النِّيَّةِ إلَّا بِوَاحِدٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْوَاحِدِ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ أَظْهَرَ فِيهِ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ عَلَى الظَّاهِرِ.

(وَمِنْهَا) إذَا قَالَ لَهُ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ. فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَنَزَّلَهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ ; فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَطْفُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ التَّكْرَارِ بِهِ لِأَنَّهُ بِلَفْظِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، قَالَ: وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالثَّلَاثِ تَكْرَارَ الثَّانِي قُبِلَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِهِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الطَّلَاقِ احْتِمَالًا أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ إرَادَةُ التَّكْرَارِ وَالتَّأْكِيدِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ لِمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعَطْفِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ.

[الْقَاعِدَةُ السِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَة تُسْتَعْمَلُ الْقُرْعَةُ فِي تَمَيُّزِ الْمُسْتَحِقِّ إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ ابْتِدَاء لِمُبْهَمٍ]

(الْقَاعِدَةُ السِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَة) : تُسْتَعْمَلُ الْقُرْعَةُ فِي تَمَيُّزِ الْمُسْتَحِقِّ إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ ابْتِدَاءً لِمُبْهَمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عِنْدَ تَسَاوِي أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي تَمْيِيزِ الْمُسْتَحَقِّ الْمُعَيَّنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنْ اشْتِبَاهِهِ وَالْعَجْزِ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَمْوَالُ وَالْأَبْضَاعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَفِي الْأَبْضَاعِ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ لَا تُؤَثِّرُ الْقُرْعَةُ فِي حَلِّ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا فِي الْبَاطِنِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي حُقُوقِ الِاخْتِصَاصِ وَالْوِلَايَاتِ وَنَحْوِهَا، وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ الْمُبْهَمِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا ابْتِدَاءً، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ الْقُرْعَةَ تُمَيِّزُ الْيَمِينَ الْمَنْسِيَّةِ.

وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا مَسَائِلَ الْقُرْعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَوَّلِ الْفِقْهِ إلَى آخِرِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَاَللَّهُ الْمُوفَّق (فَمِنْهَا) إذَا اجْتَمَعَ مُحْدِثَانِ حَدَثًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ وَعِنْدَهُمَا مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا وَلَا اخْتِصَاصَ لِأَحَدِهِمَا بِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ.

وَالثَّانِي: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جُنُبًا وَالْآخَرُ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ وَكَانَ الْمَاءُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَفْضُلُ عَنْهُ فَضْلَةً لَا يَكْفِي الْآخَرَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا الْمُحْدِثُ أَوْلَى لِأَنَّ فَضْلَتَهُ يُمْكِنُ الْجُنُبَ اسْتِعْمَالُهَا بِخِلَافِ فَضْلَةِ الْجُنُبِ فَإِنَّمَا لَا تَرْفَعُ حَدَثَ الْمُحْدِثِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ.

وَالثَّانِي: الْجُنُبُ أَوْلَى لِغِلَظِ حَدَثِهِ.

وَالثَّالِثُ: هُمَا سَوَاءٌ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُعْطِيهِ بَاذِلُ الْمَاءِ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ صَوَّرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ أَرَادَ مَالِكُهُ بَذْلَهُ لِأَحَدِهِمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُبَاحَ قَبْلَ وَضْعِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ لَا مِلْكَ فِيهِ، وَبَعْدَ

<<  <   >  >>