[فَصْلٌ مَا قُبِضَ مِنْ مَالِكِهِ بِعَقْدٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ]
فَصْلٌ وَأَمَّا مَا قُبِضَ مِنْ مَالِكِهِ بِعَقْدٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا قَبَضَهُ آخِذُهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ كَالْعَارِيَّةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
قَالُوا لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِالِانْتِفَاعِ وَقَبْضُ الْعَيْنِ وَقَعَ مِنْ حَيْثُ اللُّزُومِ فَهُوَ كَقَبْضِ الْمُضْطَرِّ مَالَ غَيْرِهِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ لِأَنَّ إذْنَ الشَّرْعِ تَعَلَّقَ بِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ وَجَاءَ الْإِذْنُ فِي الْإِتْلَافِ مِنْ بَابِ اللُّزُومِ وَلَوْ وَهَبَهُ شِقْصًا مِنْ عَيْنٍ ثُمَّ أَقْبَضَهُ الْعَيْنَ كُلَّهَا فَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ يَكُونُ نَصِيبُ الشَّرِيكِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَاسْتَدْرَكَ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ وَقَالَ بَلْ هُوَ عَارِيَّةٌ حَيْثُ قَبَضَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِلَا عِوَضٍ وَهَذَا صَحِيحٌ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ مَجَّانًا، أَمَّا إنْ طَلَبَ مِنْهُ أُجْرَةً فَهِيَ إجَارَةٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بَلْ فِي الْحِفْظِ فَوَدِيعَةٌ وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ أَنْتَ حَبِيسٌ عَلَى آخِرِنَا مَوْتًا لَمْ يَعْتِقْ لِمَوْتِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَكُونُ فِي يَدِ الثَّانِي عَارِيَّةً فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا أَخَذَهُ لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهِ خَاصَّةً كَالْمُودَعِ فَهُوَ أَمِينٌ مَحْضٌ لَكِنْ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ فَفِي ضَمَانِهِ خِلَافٌ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَبْنِيه عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ هَلْ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تَلَفُهَا مِنْ بَيْنِ مَالِهِ أَمَارَةٌ عَلَى تَفْرِيطِهِ فِيهَا وَقَدْ فَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ بِأَنَّ الْيَدَ فِي الْعَارِيَّةِ آخِذَةٌ وَفِي الْوَدِيعَةِ مُعَاطَاةٌ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ جِهَةِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَالْوَكِيلُ بِغَيْرِ جُعْلٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ [دَيْنٌ] فَوَكَّلَهُ فِي قَبْضِ مَالٍ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَتَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى الْأَنْبَارِيِّ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِمَا وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا مَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ فَتَبَيَّنَ فَسَادُهُ أَوْ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَهُوَ مَضْمُونٌ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ وَلَا بُدَّ وَنَقَلَ ابْنُ مشيش وَحَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ.
وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ ابْنُ الزاغوني فِي فَتَاوِيهِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْهِبَةِ لِلثَّوَابِ إنْ أَرَادَ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا.
وَقَدْ نَقَصَتْ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ النَّقْصَ وَشَبَّهَهُ بِالرَّهْنِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ جِدًّا وَقَدْ رَدَّهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ ثُمَّ اخْتَارَ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute