الْمُطَالَبَةَ هُنَا مُتَوَجِّهَةٌ مِنْ الْحَاكِمِ بِإِلْزَامِهِ فَقَدْ خَلَّصَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَجَّلَ بَرَاءَتَهُ مِنْهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ لَمْ تَبْرَأْ بِهِ ذِمَّتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ هِيَ مَشْغُولَةٌ بِدَيْنِ الْمُؤَدِّي عَنْهُ أَيْضًا فَإِنَّ الْإِذْنَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهِ عُرْفِيٌّ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ اللَّفْظِيِّ.
وَمِنْهَا: نَفَقَةُ طَائِرٍ غَيْرِهِ إذَا عَشَّشَ فِي دَارِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ فِي طَيْرَةٍ أَفْرَخَتْ عِنْدَ قَوْمٍ مِنْ الْجِيرَانِ فَالْفِرَاخُ تَتْبَعُ الْأُمَّ يَرُدُّونَ عَلَى أَصْحَابِهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلَفَ الْفِرَاخَ مُدَّةَ مَقَامِهَا فِي يَدِهِ مُتَطَوِّعًا لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ يَحْتَسِبُ بِالنَّفَقَةِ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهَا مَا أَنْفَقَ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ إمْكَانِ الِاسْتِئْذَانِ وَعَدَمِهِ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي رِوَايَةً أُخْرَى بِعَدَمِ الرُّجُوعِ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ نَظِيرَتِهَا فِي الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَرْجِعُ فِيهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ
فَلَهُ صُوَرٌ مِنْهَا: إنْفَاقُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ أَوْ امْتِنَاعِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ فِي رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرَاضٍ أَوْ دَارٌ أَوْ عَبْدُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْفِقَ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْبَى الْآخَرُ.
قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِشَرِيكِهِ وَيَمْتَنِعُ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أُلْزِمَ ذَلِكَ وَحُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّ بِهَذَا يُنْفِقُ وَيَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ مِنْ جُمْلَتِهَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ مُشْتَرَكٌ أَوْ سَقْفٌ فَانْهَدَمَ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْنِيَ الْآخَرُ مَعَهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا يُجْبَرُ فِيهِ فَيَنْفَرِدُ الطَّالِبُ بِالْبِنَاءِ وَيَمْنَعُ الشَّرِيكَ مِنْ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَخُصُّ حِصَّتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا كَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ فِي مِلْكِ الْيَتِيمِ.
وَمِنْ صُوَرِ النَّوْعِ إذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَفَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَالْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمْ إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ اسْتِئْذَانُهُ فَلَا رُجُوعَ وَإِنْ تَعَذَّرَ خُرِّجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ لِأَنَّ الْفِدَاءَ هُنَا لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ وَاسْتِبْقَائِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الرَّاهِنِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَأَطْلَقَ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِافْتِدَاءُ هَهُنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ لِتَكُونَ رَهْنًا وَقَدْ وَافَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِيهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى.
وَمِنْهَا مُؤْنَةُ الرَّهْنِ مِنْ كَرْيِ مَخْزَنِهِ وَإِصْلَاحِهِ وَتَشْمِيسِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الرَّاهِنَ إذَا قَامَ بِهَا الْمُرْتَهِنُ بِدُونِ إذْنِهِ مَعَ تَعَذُّرِهِ فَهِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ عَلَى مَا سَيَأْتِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِحِفْظِ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ فَصَارَ وَاجِبًا عَلَى الرَّهْنِ لِعَلَاقَةِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ.
وَمِنْهَا لَوْ خَرِبَتْ الدَّارُ الْمَرْهُونَةُ فَعَمَّرَهَا الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِأَعْيَانِ آلَتِهِ لِأَنَّ بِنَاءَ الدَّارِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الرَّهْنِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا