مُعَاوَضَةٌ عَنْ مِلْكِ الثَّانِي كَضَمَانِ سِرَايَةِ الْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَإِنْ امْتَنَعَ الثَّانِي مِنْ الْقَوْلِ وَطَلَبَ رَفْعَ الْبِنَاءِ مِنْ أَصْلِهِ لِيُعِيدَاهُ مِنْ مَالِهِمَا فَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ رُجُوعٌ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ مُعَاوَضَةٌ فَلَهُ ذَلِكَ وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ الْبِنَاءُ عَلَى الْإِجْبَارِ ابْتِدَاءً وَعَدَمُهُ فَإِنْ قُلْنَا يُجْبَرُ أُجْبِرَ هُنَا عَلَى التَّبْقِيَةِ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ يُقَالُ هُوَ مُعَاوَضَةٌ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالنَّفَقَةِ كَمَا أَنَّ زَرْعَ الْغَاصِبِ يُعَاوَضُ عَنْهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى رِوَايَةٍ وَبِالنَّفَقَةِ عَلَى أُخْرَى وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْمُعَاوَضَاتِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فَإِنْ قِيلَ فَعِنْدَكُمْ لَا يَجُوزُ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِوَضْعِ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِهِ فَكَيْفَ مَنَعْتُمْ هَهُنَا؟ قُلْنَا إنَّمَا مَنَعْنَاهَا هُنَا مِنْ عَوْدِ الْحَقِّ الْقَدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ قَهْرًا سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَأَمَّا التَّمْكِينُ مِنْ الْوَضْعِ لِلِارْتِفَاقِ فَتِلْكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَشْتَرِطُونَ فِيهَا الْحَاجَةَ وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ تَخْرِيجَ رِوَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنَعَ الْجَارَ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ مُطْلَقًا ثُمَّ اعْتَذَرَ بِأَنَّ حَقَّ الْوَضْعِ هُنَا سَقَطَ عُقُوبَةً لِامْتِنَاعِهِ مِنْ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَحَمَلَ حَدِيثَ الزُّبَيْرِ وَشَرِيكِهِ فِي شِرَاجِ الْحُرَّةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: إذَا انْهَدَمَ السَّقْفُ الَّذِي بَيْنَ سُفْلِ أَحَدِهِمَا وَعُلُوِّ الْآخَرِ فَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْإِجْبَارِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ هَهُنَا أَنَّهُ إنْ انْكَسَرَ خَشَبُهُ فِيهِ فَبِنَاؤُهُمَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا جَمِيعًا وَظَاهِرُهُ الْإِجْبَارُ وَإِنْ انْهَدَمَ السَّقْفُ وَالْحِيطَانُ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عَلَى بِنَاءِ الْحِيطَانِ لِأَنَّهَا خَاصٌّ مِلْكُ صَاحِبِ السُّفْلِ وَلَكِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ مَعَهُ السَّقْفَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ حَقَّهُ وَيُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ لِأَنَّهُ سُتْرَةٌ لَهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الْحَكَمِ أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ لَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَاءٍ لِأَجْلِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ لَكِنَّ صَاحِبَ الْعُلُوِّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ الْحِيطَانَ مُ عَلَيْهَا وَيَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا بَنَى بِهِ السُّفْلَ وَيَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا بَنَى بِهِ الْحِيطَانَ فَيَصِيرُ الْبَيْتُ كَمَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا سُفْلُهُ وَلِلْآخَرِ عُلُوُّهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ بِنَاءِ السُّفْلِ وَتَكُونَ الْحِيطَانُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ حَكَى الْأَصْحَابُ رِوَايَتَيْنِ فِي مُشَارَكَةِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي بِنَاءِ الْحِيطَانِ حَتَّى أَخَذَ الْقَاضِي مِنْهُمَا رِوَايَةً بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ الِاشْتِرَاكُ حَادِثًا بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي إجْبَارِ صَاحِبِ السُّفْلِ عَلَى بِنَاءِ حَائِطِهِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْعُلُوِّ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ أَحَدُهَا إجْبَارُهُ مُنْفَرِدًا بِنَفَقَتِهِ وَأَخَذَهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَحْمَدَ عَلَّلَ بِأَنَّهُ سُتْرَةٌ لَهُ فَعَلِمَ أَنَّ إجْبَارَهُ لِحَقِّ جَارِهِ لَا لِحَقِّ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ تَضَرُّرَ صَاحِبِ الْعُلُوِّ بِتَرْكِ بِنَاءِ السُّفْلِ أَشَدُّ مِنْ تَضَرُّرِ الْجَارِ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ لِأَنَّ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute