يَجُوزُ الْبِنَاءُ إذَا فَضَلَ مِنْ الطَّرِيقِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِقَوْمٍ أَرَادُوا الْبِنَاءَ فِيهَا وَتَشَاجَرُوا فِي مِقْدَارِ مَا يَتْرُكُونَهُ مِنْهَا لِلطَّرِيقِ وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَأَنْكَرُوا جَوَازَ تَضْيِيقِ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ.
(وَمِنْهَا) بِنَاءُ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ فِي الطُّرُقَاتِ فَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ لِلْوَقْفِ عَلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَكَذَا إنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَخَانٍ مُسَبَّلٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ لِمَنْفَعَةٍ تَخْتَصُّ بِأَحَدِ النَّاسِ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِهِ ; لِأَنَّ الطَّرِيقَ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إسْقَاطَ الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ مِنْهُ وَالِاخْتِصَاصُ بِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ وَفِي كِتَابِ الطُّرُقَاتِ لِابْنِ بَطَّةَ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ أَفْتَى بِجَوَازِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ. وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ ; لِأَنَّ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ حَقُّ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ بَاقٍ غَيْرَ أَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمُرُورِ إلَى اسْتِحْقَاقِ اللُّبْثِ لِلْعِبَادَةِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ الطَّرِيقُ قَدْ سَلَكَهُ النَّاسُ وَصُيِّرَ طَرِيقًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى إذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةٍ لَمْ يُبْنَ فِيهَا ; لِأَنَّ فِيهَا ضَرَرًا وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ إذَا بَنَى فِي طَرِيقِ الْمَارَّةِ فَضَرَّ بِالْمَارَّةِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَمْ يُجَوِّزْهُ، وَكُرِهَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُخْتَانَ أَنْ يَطْحَنَ فِي الْغُرُوبِ وَقَالَ رُبَّمَا غَرِقَتْ السُّفُنُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى: إذَا كَانَتْ فِي طَرِيقِ النَّاسِ فَلَا يُعْجِبُنِي وَالْغُرُوبُ كَأَنَّهَا طَاحُونٌ يُصْنَعُ فِي النَّهْرِ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ وَكُرِهَ شِرَاءُ مَا يُطْحَنُ فِيهَا. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْغُرْبَةِ فِي النَّهْرِ: إنْ كَانَ وَضْعُهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَالطَّرِيقُ وَاسِعٌ وَالْجَرَيَانُ مُعْتَدِلٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَلَعَلَّ الْغُرْبَةَ كَالسَّفِينَةِ لَا تَتَأَبَّدُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَحُكْمُ الْغِرَاسِ حُكْمُ الْبِنَاءِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي النَّخْلَةِ الْمَغْرُوسَةِ فِي الْمَسْجِدِ: أَنَّهَا غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا أُحِبُّ الْأَكْلَ مِنْهَا وَلَوْ قَلَعَهَا الْإِمَامُ كَانَ أَوْلَى وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَطْلَقَ فِيهَا الْكَرَاهَةَ كَصَاحِبِ الْمُبْهِجِ وَجَعَلَ ثَمَرَهَا لِجِيرَانِ الْمَسْجِدِ الْفُقَرَاءِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَابْنِ بُخْتَانَ فِي دَارِ السَّبِيلِ يُغْرَسُ فِيهَا كَرْمٌ قَالَ: إنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَلَا. وَظَاهِرُهُ جَوَازُهُ مَعَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَلَعَلَّ الْغَرْسَ كَانَ لِجِهَةِ السَّبِيلِ أَيْضًا.
(وَمِنْهَا) اخْتِصَاصُ آحَادِ النَّاسِ فِي الطَّرِيقِ بِانْتِفَاعٍ لَا يَتَأَبَّدُ فَمِنْ ذَلِكَ الْجُلُوسُ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: إنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا وَلَا ضَرَرَ فِي الْجُلُوسِ بِالْمَارَّةِ جَازَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبِدُونِ إذْنِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَهُ مَنْ شَاءَ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي جَوَازِهِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَى فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ ثُمَّ حَمَلَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَتَيْنِ ; فَالْجَوَازُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ وَالْمَنْعُ إذَا ضَرَّ وَجَعَلَ حَقَّ الْجُلُوسِ كَحَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ ; لِأَنَّهُ لَا يُعَطِّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute