الْمَالِيَّةِ مِنْ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ.
(وَمِنْهَا) إذَا عَيَّنَ أُضْحِيَّةً فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا وَلَمْ يَضْمَنْ الذَّابِحُ شَيْئًا نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لِلذَّبْحِ مَا لَمْ يُبَدِّلْهَا وَإِرَاقَةُ دَمِهَا وَاجِبٌ. فَالذَّابِحُ قَدْ عَجَّلَ الْوَاجِبَ فَوَقَعَ مَوْقِعَهُ وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً ابْتِدَاءً أَوْ عَنْ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ، وَفَرَّقَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بَيْنَ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: الْمُعَيَّنَةُ عَنْهَا فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْمَالِكِ غَيْرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ: فَلَا يُجْزِئُ ذَبْحُ غَيْرِهِ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَضْمَنُ
(وَمِنْهَا) لَوْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ صَيْدٌ فَأَطْلَقَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَضْمَنُ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَدَّى عَنْهُ دَيْنَهُ فِي هَذَا الْحَالِ وَفِي الْمُبْهِجِ لِلشِّيرَازِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ وَإِرْسَالُ الْغَيْرِ إتْلَافٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَهُوَ كَقَتْلِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ حَاكِمًا أَوْ وَلِيَّ صَبِيٍّ فَلَا ضَمَانَ لِلْوِلَايَةِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا يَجِبُ [عَلَيْهِ] إرْسَالُهُ وَإِلْحَاقُهُ بِالْوَحْشِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، أَمَّا إنْ قُلْنَا يَجُوزُ لَهُ نَقْلُ يَدِهِ إلَى غَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ أَوْ إيدَاعٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ بِغَيْرِ إشْكَالٍ.
(وَمِنْهَا) لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ فَتَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ غَيْرُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ سَوَاءٌ قِيلَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ أَوْ امْتِنَاعِ الْإِبْدَالِ كَمَا [لَوْ] اخْتَارَهُ أَوْ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ وَجَوَازِ الْإِبْدَالِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ الْمَنْذُورَةِ وَبَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ [فِي ذَلِكَ الثَّانِي: الضَّمَانُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَيُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ] .
لَا سِيَّمَا وَالْمَنْقُولُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ: إنَّ الْأُضْحِيَّةَ إنَّمَا يَجُوزُ إبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا وَالنُّقُودُ مُتَسَاوِيَةٌ غَالِبًا فَلَا مَعْنَى لِإِبْدَالِهَا، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ النَّذْرَ يَحْتَاجُ إخْرَاجُهُ إلَى نِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ وَهَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ نَقُولُ فِي نَذْرِ الصَّدَقَةِ بِالْمُعَيَّنِ مَا نَقُولُ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ.
وَأَمَّا إذَا أَدَّى غَيْرُهُ زَكَاتَهُ الْوَاجِبَةَ مِنْ مَالِهِ أَوْ نَذْرَهُ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ كَفَّارَتَهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْمَشْهُورِ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْمَالِكِ لِفَوَاتِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ نُفُوذَهُ بِالْإِجَازَةِ مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ [بِهَا] . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعِبَادَاتِ كَالزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالنَّذْرِ إنَّمَا هُوَ إذَا نَوَاهُ الْمُخْرِجُ عَنْ الْمَالِكِ فَأَمَّا إنْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ وَكَانَ عَالَمًا بِالْحَالِ فَهُوَ غَاصِبٌ مَحْضٌ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَلَا بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَلَا غَيْرِهِمَا ; لِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْ أَصْلِهِ تَعَدِّيًا وَذَلِكَ يُنَافِي التَّقَرُّبَ.
وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَجْهًا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً فِي الزَّكَاةِ وَخَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا فِي الْعِتْقِ لَكِنْ إذَا الْتَزَمَ ضَمَانَهُ فِي مَالِهِ وَهَذَا شَبِيهٌ بِتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، وَهَلْ يُجْزِئُ عَنْ الْمَالِكِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَمْ لَا، حَكَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute