ثُمَّ زَعَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْإِبْهَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَّلَ بِكَوْنِهِ عَبْدًا لَمْ يُعْتَقْ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَصِحَّ لِكَوْنِهِ عَبْدًا حَالَ الْإِيصَاءِ وَلَا يَكْفِي حُرِّيَّتُهُ حَالَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَجَوَابُ أَحْمَدَ إنَّمَا يَتَنَزَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالدَّرَاهِمِ غَيْرُ الْمُعْتِقِ. وَنَقَلَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ غِلْمَانٍ اسْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَجٌ، فَقَالَ: فَرَجٌ حُرٌّ وَلِفَرَجٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ.
قَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَاَلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِالْمِائَةِ لَا شَيْءَ لَهُ ; لِأَنَّ هَذَا مِيرَاثٌ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا حَيْثُ عَلَّلَ فِيهَا بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِكَوْنِ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي سَاقَهَا الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ وَكُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَسَاقَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي عَلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالدَّرَاهِمِ هُوَ الْمُعْتَقُ وَأَنَّ أَحْمَدَ صَحَّحَ الْوَصِيَّةَ لَهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبْطَلَهَا فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِالصِّحَّةِ أَقُولُ، وَفِي الْخَلَّالِ أَيْضًا عَنْ مُهَنَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مِنْ أَصْحَابِ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَحَالَهُ بِهَا وَالشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ كَيْفَ يَصْنَعُونَ وَقَدْ مَاتَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: يَنْظُرُونَ فِي أَصْحَابِ فُلَانٍ فِيهِمْ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ أَصْحَابِ فُلَانٍ؟ قُلْت: فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ أَصْحَابِ فُلَانٍ قَالَ: فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِمَا شَيْئًا حَتَّى يَكُونَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي الدَّفْعِ إلَّا لِيَتَيَقَّنَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِهِ لَا لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا هَهُنَا لِمُعَيَّنٍ فِي نَفْسٍ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا لِاشْتِرَاكِ الِاسْمَيْنِ فَلِذَلِكَ وُقِفَ الدَّفْعُ عَلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِ الْمُسْتَحِقِّ إذَا رُجِيَ انْكِشَافُ الْحَالِ وَأَمَّا مَعَ الْإِيَاسِ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ تَعْيِينَ الْمُسْتَحِقِّ بِالْقُرْعَةِ قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْحَقُّ.
(وَمِنْهَا) اشْتِبَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَتَبَ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْمُسَمَّى الْمَوْصُوفِ كَذَا. فَأَحْضَرَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ وَالنَّسَبِ فَادَّعَى أَنَّ لَهُ مُشَارِكًا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمٌ عَلَيْهِ وَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّ لَهُ مُشَارِكًا فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَالنَّسَبِ وُقِفَ حَتَّى يُعْلَمَ الْخَصْمُ مِنْهُمَا وَلَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي الْمَكْتُوبُ فِيهِ حَيَوَانًا أَوْ عَبْدًا مَوْصُوفًا وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُشَارِكٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُسَلَّمُ إلَى الْمُدَّعِي مَخْتُومُ الْعِتْقِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ فَيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى عَيْنِهِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ، وَإِنْ يَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْحَاكِمِ الَّذِي سَلَّمَهُ وَيَكُونُ فِي ضَمَانِ الَّذِي أَخَذَهُ ; لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُسَلَّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute