يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ كَذَلِكَ، دُونَ الْآدَمِيِّ وَالسَّمَاءِ وَالشَّمْسِ وَالْجَبَلِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ فِيهَا هُجِرَتْ حَتَّى عَادَتْ مَجَازًا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ الْعَامُّ إلَّا مُقَيَّدًا بِهِ وَلَا يُفْرَدُ بِحَالٍ، فَهَذِهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَخِيَارُ شنبر وَتَمْرُ هِنْدِيٍّ لَا يَدْخُلَانِ فِي مُطْلَقِ الثَّمَرِ وَالْخِيَارِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَنَظِيرُهُ مَاءُ الْوَرْدِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ الْعَامُّ لَكِنَّ الْأَكْثَرَ أَنْ لَا يُذْكَرَ مَعَهُ إلَّا بِقَيْدٍ أَوْ قَرِينَةٍ، وَلَا يَكَادُ يُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُخُولُهُ فِيهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مَسَائِلُ مِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَقَالَ الْقَاضِي يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ مَا يُسَمَّى رَأْسًا مِنْ رُءُوسِ الطُّيُورِ وَالسَّمَكِ، وَنَقَلَهُ فِي مَوْضِعٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ يُعْتَبَرُ فِي تَعْمِيمِ الْخَاصِّ لَا فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِرَأْسٍ يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ مُفْرَدًا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّ يَمِينَهُ تَخْتَصُّ بِمَا يُسَمَّى رَأْسًا عُرْفًا، وَحَكَى ابْنُ الزاغوني فِي الْإِقْنَاعِ رِوَايَتَيْنِ.
إحْدَاهُمَا: يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ رَأْسٍ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ خَاصَّةً، وَعَزَى الْأُولَى إلَى الْخِرَقِيِّ، وَفِي التَّرْغِيبِ ذَكَرَ الْوَجْهَ الثَّانِي ; أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ يُبَاعُ مُفْرَدًا لِلْأَكْلِ عَادَةً، قَالَ فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِأَكْلِ رُءُوسِ الظِّبَاءِ حَنِثَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَفِي غَيْرِهِ وَجْهَانِ مَأْخَذُهُمَا هَلْ الِاعْتِبَارُ بِأَصْلِ الْعَادَةِ أَوْ عَادَةِ الْحَالِفِ؟ انْتَهَى.
وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ فَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا، فَيَحْنَثُ عِنْدَ الْقَاضِي بِأَكْلِ بَيْضِ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ إلَّا بِأَكْلِ بَيْضٍ يُزَايِلُ بَائِضَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَزَعَمَ صَاحِبُ الْكَافِي أَنَّ التَّخْصِيصَ هُنَا إنَّمَا كَانَ إضَافَةَ الْأَكْلِ إلَى الرُّءُوسِ وَالْبَيْضِ، حَيْثُ كَانَتْ الْعَادَةُ تَخْتَصُّ بَعْضَ أَنْوَاعِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ حُكْمًا سِوَى الْأَكْلِ لَعَمَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ فَأَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ هُوَ عَلَى نِيَّتِهِ.
قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ إنْ نَوَى لَحْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ غَيْرِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لَا يَحْنَثُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِإِدْخَالِهِ بِالنِّيَّةِ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا فَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا أَنَّهُ يَحْنَثُ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ وَالْحَمَّامَ يُسَمَّى بَيْتًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا يُخَالِفُ نَصَّهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي لَحْمِ السَّمَكِ، فَيُخَرَّجُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا وَجْهًا بِعَدَمِ الْحِنْثِ، وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ نَصِّهِ الْآتِي فِيمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا يُسَمَّى عِنْدَهُ مَالًا، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَكِبَ سَفِينَةً.
وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ الرَّيْحَانَ، فَقَالَ الْقَاضِي: تَخْتَصُّ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيِّ ; لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى بِالرَّيْحَانِ عُرْفًا.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: يَحْنَثُ بِكُلِّ نَبْتٍ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ; لِأَنَّهُ رَيْحَانٌ حَقِيقَةً وَهَذَا