أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ حَتَّى يَقَعَ التَّمْيِيزُ، وَبِمَاذَا يَقَعُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَيُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ ثُمَّ يَبِيعُهُ لِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَطَ الْمُسْتَحِقُّ بِغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمُرَاضَاةِ. وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ فَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَعُفِيَ عَنْهَا قَالَ: وَأَجْوَدُ مَا يُقَالُ فِيهَا: إنَّهُمَا يَبِيعَانِ الْعَبْدَيْنِ وَيَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ كَمَا قُلْنَا إذَا اخْتَلَطَ زَيْتُهُ بِزَيْتِ الْآخَرِ وَأَحَدُهُمَا أَجْوَدُ مِنْ الْآخَرِ أَنَّهُمَا يَبِيعَانِ الزَّيْتَ وَيَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ انْتَهَى.
(وَمِنْهَا) إذَا ادَّعَى الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ فَقَالَ الْمُودَعُ: لَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ مِنْكُمَا. فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ فَصَاحِبُهُ، حَلَفَ وَأَخَذَهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهِيَ مِنْ فُرُوعِ مَسْأَلَةِ تَدَاعِي عَيْنٍ بِيَدِ ثَالِثٍ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهَا لِأَحَدِهِمَا وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(وَمِنْهَا) إذَا سَبَقَ اثْنَانِ إلَى الْجُلُوسِ بِالْأَمَاكِنِ الْمُبَاحَةِ كَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ، وَرِحَابِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا لِمَعَاشٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ بِتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ لِمَنْ يَرَى مِنْهُمَا بِنَوْعٍ مِنْ التَّرْجِيحِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَبَقَا إلَى مَوْضِعٍ فِي رِبَاطٍ مُسْبَلٍ أَوْ خَانٍ، أَوْ اسْتَبَقَ فَقِيهَانِ إلَى مَدْرَسَةٍ أَوْ صُوفِيَّانِ إلَى خانكاه ذَكَرَهُ الْحَارِثُ وَهَذَا يَتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ الْمُخْتَصَّةِ بِوَصْفٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا عَلَى تَنْزِيلِ نَاظِرٍ، فَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ تَوَقُّفُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَلَيْسَ إلَّا تَرْجِيحُهُ لَهُ بِنَوْعٍ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ مَعَ التَّسَاوِي.
(وَمِنْهَا) إذَا سَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَعْدِنٍ مُبَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَضَاقَ الْمَكَانُ إلَّا عَنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.
وَالثَّانِي: قَالَهُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِالْيَوْمِ أَوْ السَّاعَةِ بِحَسَبِ مَا يَرَى لِأَنَّهُ يَطُولُ، وَإِنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ فَاحْتِمَالَاتٌ: أَحَدُهَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا.
وَالثَّانِي: يَنْصِبُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُمَا ثُمَّ يَقْسِمُ.
وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ وَأَوْلَى، وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَى الْمُبَاحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ
(وَمِنْهَا) إذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ بَيْنَ نَهْرٍ مُبَاحٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْضٌ يَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ مِنْهُ وَكَانَا مُتَقَابِلَيْنِ وَلَمْ يُمْكِنْ قِسْمَةُ الْمَاءِ بَيْنَهُمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَقُدِّمَ مَنْ لَهُ الْقُرْعَةُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَى مَنْ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ تَرَكَهُ لِلْآخَرِ ; فَإِنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ لَا فِي أَصْلِ الْحَقِّ بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَسْفَلِ حَقٌّ إلَّا فِيمَا فَضَلَ عَنْ الْأَعْلَى، وَهُنَا الْمَاءُ بَيْنَهُمَا يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ نِسْبَةِ حَقِّهِ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَمِنْهَا) إذَا وُصِفَ لِلُّقَطَةِ نَفْسَانِ فَهَلْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُقْرَعُ؟ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ (وَمِنْهَا) إذَا الْتَقَطَ اثْنَانِ طِفْلًا وَتَسَاوَيَا فِي الصِّفَاتِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُقَرَّ بِأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا كَمَا فِي الْحَضَانَةِ، وَإِنْ ادَّعَى نَفْسَانِ الْتِقَاطَ طِفْلٍ فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأُقِرَّ