فَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْعِتْقِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا قَالَ: يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فَالْوَاجِبُ فِيهَا مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا لَوْ وَصَّى بِأَحَدِهِمَا لِزَيْدٍ
(وَمِنْهَا) لَوْ عَتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ فَإِنَّهُ يُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَعْتِقُهُ بِتَعْيِينِهِ مِنْ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ فِي الطَّلَاقِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ ثُمَّ أُنْسِيه أَوْ جَهِلَهُ ابْتِدَاءً كَمَسْأَلَةِ الطَّائِرِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُقْرِعُ هَاهُنَا مِنْ الطَّلَاقِ وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ لَكِنَّ قِيَاسَ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ يُقْرِعُ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ وَيُسْتَدَامُ الْمِلْكُ فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ وَطْءُ شَيْءٍ مِنْهُنَّ إذَا كُنَّ إمَاءً وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَجُهِلَ أَمْرُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ عَبْدَ الْآخَرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُعْتَقُ مَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ لِاسْتِرْقَاقِ عَبْدِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ لِأَنَّ عَبْدَ صَاحِبِهِ هُوَ الَّذِي عَتَقَ فَإِذَا اشْتَرَاهُ نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ثُمَّ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّ تَمَسُّكَهُ بِعَبْدِهِ إنَّمَا كَانَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ هُوَ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَتَصَادَقَا عَلَى أَمْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي إنْ وَقَعَتْ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عَبْدِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ فَالْوَلَاءُ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْوَلَدِ الَّذِي يَدَّعِيه أَبَوَانِ وَأَوْلَى ; لِأَنَّ هَاهُنَا إنَّمَا عَتَقَ عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُنَاكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لَهُمَا وَكَذَلِكَ يُقَالُ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ مُوسِرَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ كَانَ الطَّائِرُ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ وَيَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ.
(وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَوَّلُ مَا تَلِدِينَهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ وَاشْتَبَهَ أَوَّلُهُمَا خُرُوجًا فَإِنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجُهِلَ ابْتِدَاءً وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ غُلَامٍ لِي يَطْلُعُ فَهُوَ حُرٌّ فَطَلَعَ عَبِيدُهُ كُلُّهُمْ أَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ أَيَّتُكُنَّ طَلَعَ أَوَّلًا فَهِيَ طَالِقٌ فَطَلَعْنَ كُلُّهُنَّ فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُمَيَّزُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَبِيدِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الزَّوْجَاتِ بِالْقُرْعَةِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا النَّصِّ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ اطِّلَاعَهُمْ كَانَ مُرَتَّبًا وَأَشْكَلَ السَّابِقُ فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ كَمَسْأَلَةِ الْوِلَادَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُمْ طَلَعُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً.
وَقَالَ: صِفَةُ الْأَوَّلِيَّةِ شَامِلَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ وَالْمُعْتَقُ إنَّمَا أَرَادَ عِتْقَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمُيِّزَ بِالْقُرْعَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ يَعْتِقُ وَيُطَلِّقُ الْجَمِيعَ لِأَنَّ تَرِكَةٌ صِفَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَفْظُهُ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ [مُضَافٌ] أَوْ يُقَالُ الْأَوَّلِيَّةُ صِفَةٌ لِلْمَجْمُوعِ لَا لِلْأَفْرَادِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي الطَّلَاقِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَطْلُقُ وَلَا يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْدًا لَا تَعَدُّدَ فِيهِ وَالْفَرْدِيَّةُ مُشْتَبِهَةٌ هُنَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute