للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ. نَقَلَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ وَحَرْبٌ وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ.

وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَجْرَى الْمُحَاصَّةَ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي مَحَلِّ الزَّكَاةِ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا هُوَ الذِّمَّةُ فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي مَحَلِّ التَّعَلُّقِ وَفِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَتَمْتَازُ الزَّكَاةُ بِأَنَّهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ قُلْنَا: الْعَيْنُ فَدَيْنُ الْآدَمِيِّ يَتَعَلَّقُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالتَّرِكَةِ أَيْضًا فَيَتَسَاوَيَانِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ النَّصَّ بِالْمُحَاصَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالذِّمَّةِ لِاسْتِوَائِهَا فِي مَحَلِّ التَّعَلُّقِ فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَلُّقِهَا بِالنِّصَابِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ كَدَيْنِ الرَّهْنِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّامِرِيِّ.

وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ إيمَاءٌ إلَيْهَا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ وَافَقَ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَوْجُودًا إذْ لَا تَعَلُّقَ بِالْعَيْنِ إلَّا مَعَ وُجُودِهِ فَأَمَّا مَعَ تَلَفِهِ فَالزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ فَيُسَاوِي دَيْنَ الْآدَمِيِّ وَهَذَا تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ النِّصَابَ مَتَى كَانَ مَوْجُودًا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ لَا تَعَلُّقَ بِسَبَبِ الْمَالِ يَزْدَادُ بِزِيَادَتِهِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَالزَّكَاةُ مِنْ قِبَلِ مون الْمَالِ وَحُقُوقِهِ وَنَوَائِبِهِ فَيُقَدَّمُ كَذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الدُّيُونِ، وَحُمِلَ نَصُّ أَحْمَدَ بِالْمُحَاصَّةِ عَلَى حَالَةِ عَدَمٍ النِّصَابِ.

فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ حَيًّا وَأَفْلَسَ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الزَّكَاةِ لِأَنَّ تَأَخُّرَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ سَائِغٌ لِلْعُذْرِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ هَاهُنَا إلَى إسْقَاطِ مُطَالَبَةِ الْآدَمِيِّ لَهُ وَمُلَازَمَتِهِ وَحَبْسِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي التَّأَخُّرِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّمَ دَيْنُ الْآدَمِيِّ لَفَاتَتْ الزَّكَاةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ حَتَّى فِي حَالَةِ الْحَجْرِ وَهَذَا قَدْ يَتَنَزَّلُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ شَرْحِ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَعَ بَقَاءِ النِّصَابِ كَقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا سَبَقَ.

(الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ) : إذَا كَانَ النِّصَابُ مَرْهُونًا وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَهَلْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ مِنْهَا هَاهُنَا حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ فَتُؤَدَّى الزَّكَاةُ مِنْ عَيْنِهِ صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَهُ مَأْخَذَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزَّكَاةَ يَنْحَصِرُ تَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ، وَدَيْنَ الرَّهْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْعَيْنِ فَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّزَاحُمِ، وَمَا اخْتَصَّ تَعَلُّقُهُ بِالْعَيْنِ كَمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْجَانِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا لَحِقَ الْمُنْحَصِرَ فِي الْعَيْنِ يَفُوتُ بِفَوَاتِهَا بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ مَعَ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي مِنْ الذِّمَّةِ عِنْدَ فَوَاتِ الْعَيْنِ وَهَذَا مَأْخَذُ الْقَاضِي وَفِيهِ ضَعْفٌ فَإِنَّ الزَّكَاةَ عِنْدَنَا لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ النِّصَابِ مُطْلَقًا بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ حِينَئِذٍ فَهِيَ إذًا كَدَيْنِ الرَّهْنِ، وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ قَهْرِيٌّ وَتَعَلُّقُ الرَّهْنِ اخْتِيَارِيٌّ، وَالْقَهْرِيُّ أَقْوَى كَالْجِنَايَةِ أَوْ يُقَالَ هُوَ تَعَلُّقٌ بِسَبَبِ الْمَالِ وَتَعَلُّقُ الرَّهْنِ بِسَبَبٍ خَارِجِيٍّ وَالتَّعَلُّقُ بِسَبَبِ الْمَالِ يُقَدَّمُ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ مَتَى قِيلَ يَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالذِّمَّةِ خَاصَّةً لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ

<<  <   >  >>