(الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنَّ فِي تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فَوَجْهُ عَدَمِ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ مَعَ الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ أَنْ يَمْلِكَهُ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاة وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ فَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ وَالْوَجْهُ تَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ مَعَ الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ. مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَكْفِيرَهُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ لَهُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِبَاحَةٌ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ مِنْ مَالِهِ وَالتَّكْفِيرُ عَنْ الْغَيْرِ لَا يُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ، كَمَا يَقُولُ فِي رِوَايَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقُلْنَا لَا يَسْقُطُ تَكْفِيرُ غَيْرِهِ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ جَازَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهَا هُوَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ إخْرَاجًا لِلْكَفَّارَةِ
(وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي) : أَنَّ الْعَبْدَ ثَبَتَ لَهُ فِي مِلْكٍ قَاصِرٍ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ التَّامُّ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي الْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ مِلْكٌ يُنْتِجُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ كَمَا أَثْبَتْنَا لَهُ فِي الْأَمَةِ مِلْكًا قَاصِرًا أُبِيحَ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا دُونَ بَيْعِهَا وَلَا هِبَتِهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
وَوَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْعِتْقِ مُحْتَاجٌ إلَى مِلْكٍ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ رَجُلًا أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ فَفَعَلَ أَجْزَأَتْهُ وَلَوْ أَمَرَ أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ فَفِي جَزَائِهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ عَنْ مَوْرُوثِهِ صَحَّ وَلَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِالْعِتْقِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَعْتَقَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَوْرُوثِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ فَوَجْهَانِ
(الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصِّيَامِ بِحَالٍ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَيْنِ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَإِنْ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ كَمَا سَبَقَ فَلَا يَكُونُ مُخَاطَبًا بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَكُونُ فَرْضُهُ غَيْرَ الصِّيَامِ بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الْحُرِّ الْعَاجِزِ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ وَمِنْ هَاهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخِرَقِيِّ الْعَبْدُ أَيْضًا إذَا حَنِثَ ثُمَّ عَتَقَ لَا يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ إذَا حَنِثَ ثُمَّ أَيْسَرَ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْعَبْدِ: إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمًا وَقَالَ فِي الْحُرِّ الْمُعْسِرِ: إنَّهُ يَصُومُ فِي الْإِحْصَارِ صِيَامَ التَّمَتُّعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ الْقَابِلِ لِتَعَلُّقِ الْوَاجِبَاتِ بِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الصِّيَامِ بِالْأَصَالَةِ وَفِدْيَةُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ بِغَيْرِ الْهَدْيِ فَأَوْجَبْنَا عَلَى الْعَبْدِ صِيَامًا يَقُومُ مَقَامَ الْهَدْي وَيَعْدِلُ قِيمَةَ الشَّاة كَمَا وَجَبَ فِي جَزَاء الصَّيْدِ لِأَنَّ هَذَا الصِّيَامَ وَاجِبٌ بِالْأَصَالَةِ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْهَدْيِ وَيَعْدِلُ الْهَدْيَ، وَشَبِيهٌ بِهِ فَيَكُونُ فَرْضُ الْعَبْدِ بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْأَصَالَةِ هُوَ الْهَدْيُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ انْتَقَلَ إلَى الْبَدَلِ الَّذِي شُرِعَ لِلْهَدْيِ وَهُوَ صِيَامُ الْمُتْعَةِ.
(وَمِنْهَا) إذَا بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute