رِوَايَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِتَصَرُّفِ الشَّخْصِ فِي مَالِ غَيْرِهِ حَالَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِمَالِكِهِ فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ نَائِبٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوهمَا.
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا إجْرَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ مَا قَالَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ وَالثَّانِي الْجَزْمُ بِبُطْلَانِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ طَرِيقُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ الْمَرْأَةَ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ أَجَازَ الْوَلِيُّ لَمْ يَنْفُذْ بِغَيْرِ خِلَافٍ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، نَعَمْ لَوْ زَوَّجَ غَيْرُ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الصَّغِيرَةَ بِدُونِ إذْنِهَا أَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْكَبِيرَةَ بِدُونِ إذْنِهَا فَهَلْ يَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ يَقِف عَلَى إجَازَتِهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي مُوسَى.
(الْحَالَةُ الثَّانِيَة) : أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الْغَاصِبُ وَمَنْ يَتَمَلَّكُ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَيُجِيزُهُ لَهُ الْمَالِكُ فَأَمَّا الْغَاصِبُ فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ الْحُكْمِيَّةِ: رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا الْبُطْلَانُ
وَالثَّانِيَةُ: الصِّحَّةُ قَالَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعِبَادَاتُ كَالطَّهَارَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ بَعْدَهُ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ هَذَا الْخِلَافَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْوَقْفِ عَلَى الْإِجَازَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِهَا كَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِمَا فَإِنْ أُرِيدَ بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ وَقْفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ وَوُقُوعِ التَّصَرُّفِ مِنْ الْمَالِكِ وَإِفَادَةِ ذَلِكَ لِلْمَالِكِ لَهُ فَهُوَ الطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ وَإِنْ أُرِيدَ الْوُقُوع لِلْغَاصِبِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ فَفَاسِدٌ قَطْعًا فِي صُورَةِ شِرَائِهِ فِي الذِّمَّةِ إذَا نَفَذَ الْمَالُ مِنْ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُ فِيهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُنَا: إنْ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ ; لِأَنَّهُ فَائِدَةُ مَالِهِ وَيَلْزَمُهُ فَيَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا وَحَكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إنْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَلَا.
(وَمِنْهَا) لَوْ تَصَدَّقَ الْغَاصِبُ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ لَا تَقَعُ الصَّدَقَةُ لَهُ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» وَلَا يُثَابُ الْمَالِكُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لِعَدَمِ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ وَنُقِلَ عَنْهُ وَنَقَلَ نَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ يُثَابُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ وَرَجَّحَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا هَذَا الَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ فَيُؤْجَرُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَمَا يُؤْجَرُ عَلَى الْمَصَائِبِ الَّتِي تُولِدُ لَهُ خَيْرًا وَعَلَى عَمَلِ وَلَدِهِ الصَّالِحِ وَعَلَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ وَالدَّوَابُّ مِنْ زَرْعِهِ وَثِمَارِهِ
(وَمِنْهَا) لَوْ غَصَبَ شَاة فَذَبَحَهَا لِمُتْعَتِهِ أَوْ قِرَانِهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ ; لِأَنَّ أَصْلَ الذَّبْحِ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَنْقَلِبُ قُرْبَةً بَعْدَهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا لِلَحْمِهَا ثُمَّ نَوَى بِهَا الْمُتْعَةَ، وَحَكَى الْأَصْحَابُ رِوَايَةً مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ كَالزَّكَاةِ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute