ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ لِأَنَّ الْمُسَمَّى إنَّمَا وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فِي ضَمَانِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ.
وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ بِأَمْرٍ آخَرَ طَارِئٍ عَلَى الْعَقْدِ وَهُوَ التَّلَفُ تَحْتَ يَدِهِ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ بِالْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ عِنْدَ إقْبَاضِهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ تَلِفَتْ فَإِنَّهُ يُلْغَى الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ كَذَلِكَ هَهُنَا، وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي الْكِتَابَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُضْمَنُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَقَالَ إنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ آخِذًا لَهُ مِنْ النِّكَاحِ قَالَ لِأَنَّ إقْبَاضَهُ إيَّاهُ إذْنٌ لَهُ فِي إتْلَافِهِ بِالْعِوَضِ الْمُسَمَّى فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ أَتْلِفْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ [عَلَيْهِ] غَيْرَ مَا سَمَّى لَهُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُسَمَّى إنَّمَا جُعِلَ عِوَضًا عَنْ الْمِلْكِ لَا عَنْ الْإِتْلَافِ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ الْعَقْدُ إذْنًا فِي الْإِتْلَافِ إنَّمَا تَضَمَّنَ نَقْلَ مِلْكٍ بِعِوَضٍ وَلَمْ يُوجَدْ نَقْلُ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ وَإِنَّمَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ.
وَمِنْهَا: الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ ضَمَانُهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَيْضًا وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ وَالْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي الْبَيْعِ سَوَاءٌ.
وَمِنْهَا: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ تُضْمَنُ بِالْمُسَمَّى فَإِذَا أَدَّى مَا سَمَّى فِيهَا حَصَلَ الْعِتْقُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ الْمُتَأَخِّرُونَ زَعَمُوا أَنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فَسَادُهَا وَلَا تَحْرِيمُهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَعْطَيْتَنِي خَمْرًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَعْطَاهُ عَتَقَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَعِنْدَهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَبَدًا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ عِنْدَهُ بِأَدَاءِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ بِعِوَضٍ مُحَرَّمٍ بَلْ هُوَ عِنْدَهُ بَاطِلٌ.
وَمِنْهَا: النِّكَاحُ الْفَاسِدُ يَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ فِيهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَحْمَدَ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ بِأَنَّ النِّكَاحَ مَعَ فَسَادِهِ مُنْعَقِدٌ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَلُزُومِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالِاعْتِدَادِ مِنْهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ فِيهِ بِالْعَقْدِ وَتَقَرُّرِهِ بِالْخَلْوَةِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِيهِ كَالصَّحِيحِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ ضَمَانَ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ضَمَانُ عَقْدٍ كَضَمَانِهِ فِي الصَّحِيحِ وَضَمَانُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ضَمَانُ تَلَفٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ عَقْدٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَخْذًا مِنْ رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ عَنْهُ فِي عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَدَخَلَ بِهَا فَقَدْ جَعَلَ لَهَا عُثْمَانُ الْخَمْسِينَ، وَأَنَا أَذْهَب إلَى أَنْ يُعْطِي شَيْئًا فَلَمْ يُوجِبْ الْمُسَمَّى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَنْ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا [إنَّ] لَهَا الْمَهْرَ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا فَأَوْجَبَ الْمَهْرَ بِالِاسْتِحْلَالِ وَهُوَ الْإِصَابَةُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute