الِانْتِفَاعِ بِقَبْضِهَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: إنَّ الْأَجِيرَ يَجِبُ دَفْعُ الْأُجْرَةِ إلَيْهِ إذَا شَرَعَ فِي الْعَمَلِ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ كَتَسْلِيمِ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ.
وَلَعَلَّهُ يَخُصُّ ذَلِكَ بِالْأَجِيرِ الْخَاصِّ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تَتْلَفُ تَحْتَ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِتَسْلِيمِ الْعَقَارِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ عِنْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَلَهُ أَجْرُ كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ تَمَامِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ لِلْعَمَلِ مُدَّةً يَجِبُ لَهُ أُجْرَةُ كُلِّ يَوْمٍ فِي آخِرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْعُرْفِ، وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ كَاسْتِئْجَارِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي آخَرِ كُلِّ يَوْمٍ فَيَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَلْزُومٍ بِالْعَمَلِ فِيمَا بَعْدَهُ وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَنْتَهِي فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ إعْطَائِهِ إلَى تَمَامِهَا أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ إذَا عَيَّنَّا لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا قِسْطًا مِنْ الْأُجْرَةِ فَهِيَ إجَارَاتٌ مُتَعَدِّدَةُ وَأَمَّا النِّكَاحُ فَتَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ فِيهِ الْمَهْرَ بِالْعَقْدِ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ حَتَّى تَقْبِضَهُ فِي الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ اتِّفَاقًا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنْ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا تَتْلَفُ بِالِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَهْرِ عَلَيْهَا لَمْ يُمْكِنْهُمَا اسْتِرْجَاعُ عِوَضِهَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَلِذَلِكَ مَلَكَتْ الِامْتِنَاعَ مِنْ التَّسْلِيمِ حَتَّى تَقْبِضَهُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيمَا لَا يَتَبَاقَى مِنْ الْمَبِيعِ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَالْفَوَاكِهِ وَالرَّيَاحِينِ ; بَلْ فِي سِلَعِ التِّجَارَةِ أَيْضًا وَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ مَا اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.
وَأَيْضًا فَطَرْدُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَجُوزَ الِامْتِنَاعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ حَتَّى تُسْتَوْفَى الْأُجْرَةُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَتْلَفُ أَيْضًا وَيُسْتَهْلَكُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِرْدَادُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُصُول إلَى الْأُجْرَةِ لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا تَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي فِي الْحَالِ مَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمَهْرُ فَإِذَا تَعَذَّرَ أَخَذَ الْمَهْرِ مِنْهُ فَاتَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْمَهْرُ وَمَا قَالَهُ، وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَإِذَا تَسَلَّمَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ فَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُطَالَبَةُ حِينَئِذٍ بِالْأُجْرَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ حُصُولُهَا مَلَكَ الْفَسْخَ فَيَرْجِعُ إلَى الْمُؤَجِّرِ مَا خَرَجَ عَنْهُ أَوْ غَالِبُهُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ مِمَّنْ يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ أَيْضًا وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي خِلَافَهُ وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ مِمَّا حَكَى الْآمِدِيُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْبَدَاءَةَ بِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ بَلْ يَعْدِلُ كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ إلَّا عِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَسَلُّمِ الْعِوَضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ الصَّغِيرَةَ تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ لِأَنَّ النِّصْفَ يُسْتَحَقُّ بِإِزَاءِ الْحَبْسِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْعَقْدِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِإِزَاءِ الدُّخُولِ فَلَا تَسْتَحِقَّهُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ أَمَّا لَوْ اسْتَقَرَّ الْمَهْرُ بِالدُّخُولِ ثُمَّ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا أَوْ سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ اسْتَقَرَّ بِالتَّمَكُّنِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute