الجاسر في إنكار الابتكار على الجوهري، وقد رددنا عليه إنكاره في مقدمة الصحاح، وفندنا زعمة كرنكو إذ ادعى أن الجوهري سرق في صحاحه مواد كتاب الفارابي وقلنا في صفحة ٨٠ - ٨١:" ولقد أسرف الاستاذ كرنكو في دعواه، ولا سند له، فديوان الادب للفارابي وصحاح الجوهري موجودان، ومنهما نسخ كثيرة صحيحة، والفارق بين المعجمين كبير، وبعد كل هذا نجد عمل الجوهري أصح وأكمل وأعظم من عمل خاله الفارابي. " ونحن لا نشك في أن الفارابي يعد واضع بعض أساس منهج الصحاح، وفوق هذا أربى الجوهري على خاله وأتى بنظام دقيق بذه فيه، وكان نظامه آية بينة. " ولعل مما أثار وهم كرنكو حتى زعم ما زعم أن ياقوتا يقول: " رأيت نسخة من كتاب ديوان الادب بخط الجوهري، وقد ذكر فيها أنه قرأها على أبي إبراهيم بفاراب ". ولا يبعد أن يكون الجوهري قد اطلع على كتاب خاله، ولكن عبارة ياقوت غير دقيقة، وينفيها أن الفارابي ألف كتابه في زبيد وتوفي بها، وهذا يمنع الجوهري من القراءة على خاله، ولا يمنعه من الاطلاع عليه واستنساخه. " وإذا قلنا: إنه اطلع على " ديوان الادب " وقرأه على مؤلفه فإن ذلك لا يوجب اتهام الجوهري بسرقة كتاب خاله، فالفارق بينهما كبير في المنهج والترتيب والنظام وعدد المواد. والتقاء الفارابي والجوهري في نقطة أو نقاط ليس دليلا على أن الثاني سطا على الاول، وإلا لعد الامام الازهري سارقا كتاب العين للخليل، وعد كل تابع مدرسة معجمية سارقا من الرائد، ولكن أحدا لا يستطيع - في مثل هذه الاحوال - أن يتهم عالما إماما بالسرقة إذا اتفق مع غيره في المنهج وأكثر المواد ". وقلنا في مقدمة الصحاح صفحة ١٠٣: " ولم ننسب هذه المدرسة إلى الفارابي مع تقدمه ومع أن الجوهري يلتقي معه في بعض النقاط، لان الفارابي ألمع إلماعا إلى بعض منهج الجوهري، ولكن الجوهري جاء بما وفى على الغاية، ووصل فيه إلى النهاية، وأحكم النظام، وضبط المنهج، فانتسبت المدرسة إليه، وهو بهذه النسبة جدير، لانه إمامها الفاذ، وعلمها الذي لا تخطئه العين مهما ابتعدت عنه ". هذا ما قلناه في الفارابي والجوهري ومعجميها مع شهرة " ديوان الادب " للفارابي ومع تقدمه على الصحاح. وسبق كتاب التقفية للبندنيجي لا يغير من الامر شيئا، فتقدم الزمن بأبي بشر البندنيجي وبمؤلفه لا يجعله إمام هذه المدرسة ورائدها، وإذا كنا لم نرض بالامامة للفارابي