وهو شبيه ب " مقدمة ابن خلدون " المسهبة الرائعة. والزنجاني من علماء القرن السابع الهجري / الثالث عشر للميلاد (ت ٦٥٦ هـ / ١٢٥٨ م) ، اسمه عبد الوهاب بن ابراهيم بن عبد الوهاب الخررجي الزنجاني، وهو من علماء العربية لغة ونحوا ونظما. شهد له بالفضل السيوطي في بغية الوعاة، وتبعه في هذه الشهادة كثير. لو ألقينا نظرة إلى طريقة تحقيق " تهذيب الصحاح " استطعنا أن نعرف الخطة الرئيسة التي يسير عليها هذا العالم في كتبه التي حققها جميعا. ولا بد أن نشير قبل الخوض في شرح هذه الخطة إلى أن تحقيق " تهذيب الصحاح " تم بالمشاركة مع محقق كبير آخر هو الاستاذ عبد السلام هارون. * * * استهل العطار كتابه بمقدمة عامة عن ثروة اللغة العربية اللفظية، ثم تطرق إلى تاريخ التأليف في هذه اللغة، وظهور المعاجم حتى وصل إلى " تهذيب الصحاح "، ولقد أعاد هذا الكلام ذاته تقريبا في " مقدمة الصحاح " لكنه لم يقف عند " تهذيب الصحاح " وإنما تابع الحديث عن التأليف المعجمي الذي دار حول الصحاح والقاموس المحيط. حكى لنا العطار في مقدمة " التهذيب " كيف أن نسخة مخطوطة نادرة المثال وقعت في يد المرحوم محمد سرور الصبان - الامين العام لرابطة العالم الاسلامي - سابقا - كتبت بخط يشبه خط أبناء القرن التاسع الهجري (الخامس عشر للميلاد) ولم يكن عليها اسم الكتاب، ولا اسم مؤلفه، فقدمها إلى العطار ليعمل فيها تحقيقا، ويعرف ما تكون، فأخذها، وانفتل إلى المراجع باحثا عن اسم الكتاب ومؤلفه. وأول خيط دله على اسم المؤلف ما ورد في مقدمة المخطوط جاءت بالحرف الواحد في كتاب " البلغة في أصول اللغة " لمحمد صديق حسن خان بهادر، ملك مملكة بهوبال، وفي الفصل الذي عقده عن " صحاح الجوهري " وعزاها إلى الزنجاني في كتابه الذي اختصر فيه كتابه الآخر " ترويح الارواح في تهذيب الصحاح ". وعزز ما جاء في " كشف الظنون " لحاجي خليفة القول ذاته.