فمن ذلك آية المتعة، أسقطها عليّ بتة وكان يضرب من يقرؤها، وهذا مما شنعت عائشة به عليه، فقالت: إنه يجلد على القرآن وينهى عنه، وقد حرفه وبدله، وما روي أن أبيّا كان يكتب في مصحفه «اللهم إنا نستعينك ... إلخ» الدعاء ولا يوجد اليوم في المصحف.
٤ - قال: إن كثيرا من آياته لم يكن لها من قيد سوى تحفظ الصحابة، وكان بعضهم قد قتلوا في الغزوات، وحروب خلفائه الأولين، وذهب معهم ما كان يتحفظونه من قبل أن يوعز أبو بكر إلى زيد بن ثابت بجمعه، فلذلك لم يستطع زيد أن يجمع سوى ما كان يحفظه الأحياء، أما ما كان مكتوبا على العظام وغيرها فإنه كان مكتوبا عليها بلا نظام، ولا ضبط، وقد ضاع بعضها، وهذا ما حدا العلماء إلى الزعم أن فيه آيات نسخت لفظا لا حكما، وهو من غريب المزاعم، وحقيقة الأمر أنها قد سقطت بضياع العظم، ولم يبق منه سوى المعنى محفوظا في صدورهم.
٥ - زعم أن الحجاج لما قام بنصرة بني أمية لم يبق مصحفا إلا جمعه وأسقط منه أشياء كثيرة قد نزلت فيهم، وزاد فيه أشياء ليست منه، وكتب ستة مصاحف وجه بها إلى الأمصار، وهي القرآن المتداول اليوم، وأعدم المصاحف المتقدمة التي كتبها عثمان، وإنما رام بفعله التزلف إلى بني أمية.
٦ - زعم أن آية وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآية من كلام أبي بكر قالها يوم السقيفة، وكذا آية وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى من كلام عمر ثم لما جمع
القرآن ضم إليه هذا الكلام.
وبالنظر في هذه الدعاوى نجد أنها عارية عن الدليل، وأنها إما ادعاءات وافتراءات، أو تحريفات وتأويلات لبعض الآيات والأحاديث بغير حجة.
وسنناقشه فيما قال كي يتبين للمنصفين أنه لا يعدو أن يكون هراء من القول وإليك تفنيد هذه المزاعم.
١ - أما ما ذكره من الحديث فهو ثابت (١)، ولكن حمله ما لا يحتمل
(١) صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن- باب نسيان القرآن- انظر فتح الباري ج ٩ ص ٥٥.