وفهمه على غير وجهه، فالرواية الثانية تفسر الأولى، وتدل على أن الإسقاط عن طريق النسيان لا العمد، ولا يضر نسيان النبي صلى الله عليه وسلم، ما دام يحصل له التذكر إما من نفسه، أو من مذكر كما في الحديث، وزيادة في التوضيح نقول النسيان من النبي لشيء من القرآن على قسمين:
أحدهما: نسيان الشيء الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما أنا بشر أنسى كما تنسون».
والثاني: أن يرفعه عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ (٧).
أما الأول: فعارض سريع الزوال يدل عليه قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)، فهذا تكفل من الله تبارك وتعالى أن يحفظ كتابه عن أي نقص أو زيادة، أو تغيير أو تحريف، وقد ثبت أن القرآن الكريم معجزة المعجزات، فوجب التصديق بكل ما جاء فيه.
وأما الثاني: فداخل في قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها بضم النون وبغير همز، فالنسيان عارض بشري يجوز على الأنبياء فيما ليس طريقه البلاغ من أمور الدين والشريعة، وذلك كالأمور الدنيوية أما ما كان من الدين والشريعة، مما هو واجب البلاغ فيجوز لكن بشرطين:
أ- أن يكون بعد تبليغه كما هنا.
ب- أن لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكره إما بنفسه، وإما بغيره، وأما قبل التبليغ فلا يجوز أصلا، وهذا ما قام عليه الدليل العقلي؛ إذ لو جاز النسيان قبل التبليغ أو بعده بدون أن يتذكر، أو يذكره الغير لأدى إلى الطعن في عصمة الأنبياء، ولجاز ضياع بعض الشرائع والأديان، وفي هذا تشكيك فيها وإبطال لها.
٢ - إن ما استدل به من قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ (٧) فهو تحريف للكلم عن مواضعه، وزعم من لم يعرف سبب نزول الآية، ولا المراد من الاستثناء، ولا الغرض الذي سيقت له الآية، أما سببها فهو