أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى، فأزال الله خوفه بهذه الآية، وأما الاستثناء فالمحققون من العلماء على أنه ليس بحقيقي وإنما هو صوري، يراد منه تأكيد عدم النسيان بتعليق الشيء على ما هو مستحيل وقوعه، وليدل على استحالته بالبرهان، وقد ضمن الله لنبيه تحفيظه له فكيف يشاء إنساءه له قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ [القيامة: ١٦ - ١٩] الآيات، ومثل هذا الاستثناء قوله تعالى: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (٨٦)[الإسراء: ٨٦]، ونحن نقطع أنه سبحانه ما شاء ذلك والغرض من هذا الاستثناء على هذا:
١ - تعريفه صلى الله عليه وسلم أن عدم النسيان من فضل الله تعالى عليه، فيديم له الشكر والعبادة والذكر في كل وقت.
٢ - تعريف أمته ذلك حتى لا يرفعوه صلى الله عليه وسلم من مقام العبودية إلى مقام الألوهية، كما فعل اليهود والنصارى بأنبيائهم.
وهناك رأي آخر في الآية: وهو أن المراد بما يشاء الله أن ينساه هو ما أراد الله نسخه، فيذهب من قلبه، وأيّا كان المراد فليس في الآية ما يشهد لما زعمه هذا الطاعن.
٣ - ما زعمه من أن الصحابة أسقطوا ما رأوا المصلحة في إسقاطه تجن على الصحابة وعلى الحق، والواقع، وإنما يزعم هذا من يجهل ما كانوا عليه من عنايتهم بالقرآن، وامتزاجه بلحمهم، ودمهم، وحبهم له حبا يفوق الأهل والولد، ومراقبتهم لمنزل القرآن حق المراقبة، وهل يعقل أن تتفق جماعة تعد بالألوف على باطل من غير أن يقوم بينهم من ينكر ذلك ويجهر به وبحسبك أن تقرأ ما كتبناه في جمع القرآن لترى كيف أحاط الصحابة القرآن بسياج قوي من الحفظ والعناية، فلم يزيدوا فيه حرفا أو ينقصوا منه حرفا، أما ما يذكره عن عليّ أنه أسقط آية المتعة ... الخ، فكذب وافتراء عليه ولا أدري ما يريد الطاعن بالمتعة؛ فإن أراد نكاح المتعة فالآية التي يستدل بها بعض القائلين بإباحته موجودة في سورة النساء لم تحذف، وهي قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ