للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شديد. فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ - مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: ١ - ٢]» (١).

وفي رواية لأبي هريرة - رضي الله عنه- «أنه صلى الله عليه وسلم ناداهم بطنًا بطنًا، ويقول لكل بطن: "أنقذوا أنفسكم من النار. . . "، ثم قال: "يا فاطمة أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأبلها ببلالها» (٢).

وهذه الصيحة العالمية غاية البلاغ، وغاية الإنذار، فقد أوضح صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلة بينه وبينهم، وأوضح أن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار، الذي جاء من عند الله تعالى، فقد دعا صلى الله عليه وسلم قومه- في هذا الموقف العظيم- إلى الإسلام، ونهاهم عن عبادة الأوثان، ورغبهم في الجنة، وحذرهم من النار، وقد ماجت مكة بالغرابة والاستنكار، واستعدت لحسم هذه الصرخة العظيمة التي ستزلزل عاداتها وتقاليدها وموروثاتها الجاهلية؛ ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يضرب لصرخاتهم حسابًا؛ لأنه مرسل من الله - عز وجل-، ولا بد أن يبلغ البلاغ المبين عن رب العالمين، حتى ولو خالفه أو رد دعوته جميع العالمين، وقد فعل صلى الله عليه وسلم (٣).

استمر صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله- تعالى- ليلا ونهارًا، وسرًّا وجهارًا، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يرده عن ذلك راد، ولا يصده عن ذلك صاد، استمر


(١) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، باب وأنذر عشيرتك الأقربين٨/ ٥٠١، ٧٣٧، ٦/ ٥٥١، ومسلم بنحوه في كتاب الإيمان، باب قوله. وأنذر عشيرتك الأقربين١/ ١٩٤، والآيتان من سور المسد: ١ - ٢.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة الشعراء، باب وأنذر عشيرتك الأقربين٨/ ٥٠١، ٥/ ٣٨٢، ومسلم كتاب الإيمان، باب: وأنذر عشيرتك الأقربين١/ ١٩٢.
(٣) انظر. الرحيق المختوم ص٧٨، وفقه السيرة لمحمد الغزالي ص ١٠١، ١٠٢، والسيرة النبوية دروس وعبر لمصطفى السباعي ص٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>