للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الرابع

من مواقف أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله

الإِمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (١) له مواقف حكيمة كثيرة (٢) منها موقفه العظيم الحكيم مع الملحدين في دعوتهم إلى الله - تعالى -، وأنه رب كل شيء ومليكه.

يذكر أنه اجتمع طائفة من الملاحدة بأبي حنيفة - رحمه الله - فقالوا: ما الدلالة على وجود الصانع؛ فقال: دعوني، فخاطري مشغول بأمر غريب. قالوا ما هو؟ قال: بلغني أن في دجلة سفينة عظيمة مملوءة من أصناف الأمتعة العجيبة، وهي ذاهبة وراجعة من غير أحد يحركها ولا يقوم عليها، فقالوا له: مجنون أنت؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: إن هذا لا يصدقه عاقل. فقال لهم: فكيف صدقت عقولكم أن هذا العالم بما فيه من الأنواع والأصناف والحوادث العجيبة، وهذا الفلك الدوَّار السيَّار يجري، وتحدث هذه الحوادث من غير محدث، وتتحرك هذه المتحركات بغير محرك؟ فرجعوا على أنفسهم بالملام (٣) وهذا من أعظم مواقف الحكمة في الدعوة إلى الله، فقد استدل على الخالق بوجود المخلوق، فليس هناك من مخلوق إلا وله خالق ومدبر وهو الله عز وجل، كما أنه ليس هناك من صنعة إلا ولها صانع، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم.


(١) هو الإِمام النعمان بن ثابت بن زوطي التميمي الكوفي، أحد أئمة الإِسلام والسادة الأعلام، ولد سنة ٨٠هـ في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة، توفي - رحمه الله - سنة ١٥٠ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء ٦/ ٣٩٠، والبداية والنهاية ١٠/ ١٠٧.
(٢) انظر: نماذج من مواقف أبي حنيفة الحكيمة في سير أعلام النبلاء ٦/ ٤٠٢، وأعلام المسلمين - أبو حنيفة، لوهبي سليمان غاوجي ٥/ ٣٥٥، ٥/ ١٢١، ٣٥٤.
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٣/ ١٢٧، والرياض الناضرة للسعدي ص ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>