للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلك الثاني: الأدلة والبراهين القاطعة على بشرية عيسى وعبوديته لله: ومن حكمة القول مع النصارى في دعوتهم إلى الله أن يبين لهم أن عيسى صلى الله عليه وسلم، عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، خلقه عز وجل، وبين لعباده أنه مخلوق، وأن ذلك لا يعجزه، قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ - الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران: ٥٩ - ٦٠] (١).

فقد خلق الله -تعالى- هذا النوع على الأقسام الممكنة، ليبين عموم قدرته، فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق زوجته حواء من ذكر بلا أنثى، كما قال تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: ١] (٢) وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وكان خلق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح؛ لأن حواء خلقت من ضلع آدم، وهذا أعجب من خلق المسيح في بطن مريم، وخلق آدم أعجب من هذا وهذا، وهو أصل خلق حواء؛ فلهذا شبهه الله بخلق آدم الذي هو أعجب من خلق المسيح، فإذا كان سبحانه قادرا أن يخلقه من تراب، والتراب ليس من جنس بدن الإنسان، أفلا يقدر أن يخلقه من امرأة هي من جنس بدن الإنسان؟ وهو عز وجل خلق آدم من تراب، ثم قال له: كن، فكان لما نفخ فيه من روحه، فكذلك المسيح نفخ فيه من روحه، وقال له. كن، فكان، ولم يكن آدم بما نفخ فيه من روحه لاهوتا وناسوتا، بل كله ناسوت، فكذلك المسيح كله ناسوت (٣).

وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يباهل النصارى على حقيقة عيسى صلى الله عليه وسلم، وأنه


(١) سورة آل عمران، الآيتان ٥٩، ٦٠.
(٢) سورة النساء، الآية ١.
(٣) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ٢/ ٢٩٤، ودقائق التفسير لابن تيمية ٢/ ٣٣٤، وتفسير ابن كثير ١/ ٣٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>