للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضرب صلى الله عليه وسلم بذلك المثل الأعلى في الشجاعتين: القلبية، والعقلية، مع بعد النظر، وأصالة الرأي، وإصابته؛ فإن من الحكمة أن يتنازل الداعية عن أشياء لا تضره بأصل قضيته لتحقيق أشياء أعظم منها (١).

وجميع ما تقدم نماذج من شجاعته صلى الله عليه وسلم وثباته، وهذا نقطة من بحر، وإلا فإنه لو كتِبَ في شجاعته صلى الله عليه وسلم بالاستقصاء لكُتِبَ مجلدات، فيجب على كل مسلم، وخاصة الدعاة إلى الله- عز وجل- أن يتخذوا الرسول صلى الله عليه وسلم قدوةً في كل أحوالهم وتصرفاتهم، وبذلك يحصل الفوز والنجاح، والسعادة في الدنيا والآخرة، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١] (٢)

المسلك الثالث: مواقف الحكمة الفردية:

كان النبي صلى الله عليه وسلم أحكم خلق الله، فقد كان يتألف الناس ليدخلوا في الإسلام، ويصبر على أذاهم، ويعفو عن إساءتهم، ويقابلها بالإحسان، وله صلى الله عليه وسلم مواقف في الكرم، والجود، والعفو، والحلم، والرفق، والعدل، تظهر في النقاط الآتية:

١ - صلى الله عليه وسلم مع ثمامة بن أثال، سيد أهل اليمامة: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قِبَلَ نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له: ثمامة بن أثال، سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ماذا عندك يا ثمامة؟ " فقال: عندي


(١) انظر وثيقة صلح الحديبية كاملة في البخاري مع الفتح ٥/ ٣٢٩، وشرح الوثيقة في الفتح ٥/ ٣٣٣ - ٣٥٢، ومسند أحمد، ٤/ ٣٢٨ - ٣٣١، وانظر. هذا الحبيب يا محب ص ٥٣٢.
(٢) سورة الأحزاب، الآية ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>