للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول

مواقف الإمام منذر بن سعيد البلُّوطي

منذر بن سعيد (١) البلُّوطي له مواقف حكيمة في دعوته إلى الله -تعالى- تدلُّ على حكمته، وفضله، وأنه لا تأخذه في الله لومة لائم ومن هذه المواقف الحكيمة على سبيل المثال ما يأتي:

١ - موقفه الحكيم مع سلطان الأندلس: دخل المنذر بن سعيد يومًا على الناصر لدين الله (٢) وقد فرغ من بناء المدينة الزهراء وقصورها، حيث ساق إليها أنهارًا، نقب لها الجبل، وأنشأها مدوَّرةً، وعدة أبراجها ثلاث مئة بُرج، شرفاتها من حجر واحد، وقسَّمها أثلاثًا: فالثلث المسند إلى الجبل قصورهُ، والثلث الثاني دور المماليك والخدم، والثلث الثالث بساتين تحت القصور. وعمل مجلسًا مُشرفًا على البساتين، صَفّحَ عُمُدَه بالذهب، ورصَّعه بالياقوت، واللؤلؤ، وفرشه بمنقوش الرخام، وصنع قدَّامه بحرةً مستديرة ملأها زئبقًا، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس، وقعد في هذه القبة المزخرفة بالذهب والبناء


(١) هو: منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن النَّفْزي القربطي، أبو الحاكم البلُّوطي، قاضي قضاة الأندلس في عصره، كان إمامًا عالمًا فصيحًا، خطيبًا بليغًا مفوهًا، شاعرًا أديبًا، فقيهًا محققًا، كثير الفضل، جامعًا لصنوف من الخير والتقوى والزهد، ولم تحفظ عليه قضية جور مدة ولايته، وله كتب في القرآن والسنة على أهل الأهواء، وله اختيارات، ومن تصانيفه: كتاب "الإنباه عن الأحكام من كتاب الله" وكتاب "الإبانة عن حقائق أصول الديانة "، واستسقى غير مرة، فأنزل الله المطر، وخطب يومًا فأعجبته نفسه، فقال: (حتى متى أعِظُ ولا أتعِظُ، وأزجر ولا أزدجر، أدلُّ على الطريق المستدلين، وأبقى مُقيمًا مع الحائِرين، كلا إن هذا لَهُو البلاء المبين. اللهم فرَغِّبْني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكفَّلْتَ لي به)، وذكر أنه ولد -رحمه الله- سنة ٢٦٥هـ، وقد توفى انسلاخ ذي الحجة، سنة ٣٥٥هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، ١٦/ ١٧٣ - ١٧٨، والبداية والنهاية، ١١/ ٢٨٨، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب؛ لعبد الحي بن العماد الحنبلي، ٣/ ١٧، والكامل في التاريخ لابن الأثير، ٧/ ٨٢، والأعلام لخير الدين الزِرِكْلي، ٧/ ٢٩٤، وتاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، لعبد الله بن محمد الأزدي بن الفارض، ٢/ ١٤٢.
(٢) سلطان الأندلس عبد الرحمن بن محمد المدعو: أمير المؤمنين الناصر لدين الله، قام بغزوات عديدة، وفتح سبعين حصنًا، توفي في رمضان ٣٥٠هـ، انظر: سير أعلام النبلاء، ٨/ ٢٦٥، ١٥/ ٥٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>