بعد بيعة العقبة الأولى في سنة إحدى عشرة من البعثة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المبايعين أول داعية وأول سفير في يثرب، ليعلم المسلمين فيها شرائع الإِسلام، ويفقههم في الدين، وليقوم بنشر الإِسلام بين المشركين. واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا العمل العظيم مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه.
وعندما وصل مصعب إلى يثرب نزل على أسعد بن زرارة، ابن خالة سعد بن معاذ، وأخذ مصعب يؤدي مهمته في الدعوة إلى الله تعالى.
ومن أروع ما يُروَى من نجاحه وحكمته في الدعوة أن أسعد بن زرارة خرج به يومًا إلى دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر، فدخل به حائط بني ظفر على بئر يقال لها: بئر مرق، فجلسا في الحائط، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، فسمع بهما أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وهما يومئذ سيدا بني عبد الأشهل، وكانا مشركين، فقال سعد لأسيد: اذهب إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا، ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما عن أن يأتيا دارينا، فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي، ولولا ذلك لكفيتك هذا.
فأخذ أسيد حربته، وأقبل إليهما، فلما رآه أسعد قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه، فقال مصعب: إن يجلس أكلّمه.
وجاء أسيد فوقف عليهما مُتَشَتِّمًا، فقال: ما جاء بكما إلينا، تُسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره؛ فقال: أنصفت، ثم ركز حربته، وجلس إليهما.
فكلمه مصعب بالإِسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا: والله لعرفنا في