عندما تراجع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم الكبيرة يوجد ذكر علي بن أبي طالب مقرونًا بها، فتارة يحمل اللواء، وتارة يفرق جموع الأعداء، وتارة يفتح الحصون المستعصية ويهدم الأصنام، فهو بطل معلم.
عندما تواجه الجيشان في معركة بدر الكبرى، والتقى الفريقان، وحضر الخصمان بين يدي الرحمن، واستغاث بربه سيد الأنبياء، وضج الصحابة بصنوف الدعاء إلى رب الأرض والسماء، وكاشف البلاء، وقبل اشتباك المعركة والتحامها خرج من جيش المشركين عتبة بن ربيعة - يريد أن يظهر شجاعته - فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصّفين دعوا إلى البراز، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار: عوف بن الحارث، ومعوذ بن الحارث - ابنا عفراء - وعبد الله بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: رهط من الأنصار، فقالوا: ما لنا بكم من حاجة، ونادى مناديهم: يا محمد، أَخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقيل: قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي، فلما دنوا منهم، قالوا: من أنتم؟ فقال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي. قالوا أكفاء كرام، فبارز عبيدة - وكان أسن القوم - عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة.
فقتل علي الوليد فورًا، وقتل حمزة شيبة في الحال، واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه، فَكَرَّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فأكملا قتله، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما - رضي الله عنهم -. وكان ذلك - بإذن الله تعالى - بداية النصر وتشجيع المسلمين، وخذلان ورعب في قلوب المشركين (١).
(١) انظر: البداية والنهاية لابن كثير ٣/ ٢٧٢، ٢٧٣ بتصرف، وفتح الباري ٧/ ٢٩٩، وزاد المعاد لابن القيم ٣/ ١٧٩، وقصة المبارزة أخرجها أحمد ١/ ١١٧، وأبو داود ٣/ ٥٢ برقم ٢٦٦٥ في الجهاد، باب المبارزة من حديث علي، وإسناده قوي، وانظر: صحيح سنن أبي داود، ٢/ ٥٠٧.