كما أن من الحكمة في الدعوة إلى الله استخدام القوة مع الكفار عند الحاجة إليها, فكذلك تستخدم مع من يحتاجها من المسلمين الذين لم ينتفعوا بالمواعظ من الترغيب والترهيب, ولم يستفيدوا من حكمة القول التصويرية: من ضرب الأمثال, ولفت الأنظار إلى الصور المعنوية كصفات المؤمنين وآثارها، ولفت الأنظار والقلوب إلى الآثار المحسوسة، كالأمر بالسير في الأرض, والنظر فيما حل بالمكذبين من الدمار والهلاك.
فإذا لم يؤثر ما تقدم في عصاة المؤمنين فإن استخدام القوة حينئذ من الحكمة؛ لأن القوة كالعملية الجراحية للمريض إذا لم ينفع في علاج مرضه غيرها, فتستخدم عند الحاجة إليها بشرط الالتزام بالشروط والضوابط الشرعية.
واستخدام القوة في هذه المرحلة يتنوع ويختلف باختلاف الداعية والمدعو, والأحوال والأزمان والأماكن, وإمكانية استخدام القوة مع أمن الوقوع في المفاسد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته الدعوة إلى الله - تعالى -, وإيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكاره المنكر يستلزم ما هو أنكر منه, وأبغض إلى الله ورسوله؛ فإنه لا يسوغ إنكاره, وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله, وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر, وقد «استأذن الصحابة -رضي الله عنهم- رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: "لا ما