للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك يصير ثابت القدم، ولا حكيم كاملا إلا من جرب الأمور، وعلم المصالح والمفاسد؛ فإنه لا يفعل فعلا إلا عن حكمة، إذ الحكمة إحكام الشيء وإصلاحه عن الخلل (١) والحكيم هو المتيقظ المنتبه، أو المتقن للحكمة الحافظ لها (٢).

والحكمة من أثمن نتائج التمييز والتفكير، وهي زبدة العلم والاختبار، فالعلم يخطط الأسس النظرية، ثم يكتمل ويصقل بالخبرة العملية المبنية على المران والتجارب، ولهذا كان العلماء الأحداث بسبب قلة تجاربهم أنقص حكمة، وأقل رسوخًا في العلم من كبار العلماء الراسخين في العلم (٣).

وبهذا يعلم أن الداعية إلى الله إذا خالط الناس، وعرف عاداتهم وتقاليدهم، وأخلاقهم الاجتماعية، ومواطن الضعف والقوة، سيركز على ما ينفع الناس، ويضع الأشياء في مواضعها؛ لأنه قد جربهم، فالتجارب تنمي المواهب والقدرات، وتزيد البصير بصرًا، والحليم حلمًا، وتجعل العاقل حكيمًا، وقد تشجع الجبان، وتسخي البخيل، وقد تُليِّن قلب القاسي، وتقوِّي قلب الضعيف، ومن زادته التجارب عمى إلى عماه فهو من الحمقى الذين قد طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون (٤).

[الاستفادة من تجارب الأنبياء]

وأعظم الناس تجربة، وأكملهم حكمةً: الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام؛ لأنهم صفوة البشر اصطفاهم الله ورباهم، ثم أرسلهم لِإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومع هذا ما بعث الله من نبي إلا رعى


(١) انظر: فتح الباري ١٠/ ٥٣٠، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي٦/ ١٨٢.
(٢) انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير٦/ ٤٢٤.
(٣) انظر: الدعائم الخلقية للقوانين الشرعية للدكتور /صبحي محمصاني ص١٤٠.
(٤) انظر: هكذا علمتني الحياة، القسم الأول، للدكتور مصطفى السباعي ص٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>