للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المُطْعمُ بن عدي على راحلته فنادى: يا معشر قريش إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن، فاستلمه وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته، والمطعم بن عدي وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته (١).

وفي هذه المواقف العظيمة التي وقفها النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الطائف دليل واضح على تصميمه الجازم في الاستمرار في دعوته وعدم اليأس من استجابة الناس لها، وبَحَثَ عن ميدان جديد للدعوة، بعد أن قامت الحواجز دونها في ميدانها الأول.

وفي ذلك دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أستاذًا في الحكمة، وذلك لأنه حينما قدم الطائف اختار الرؤساء وسادة ثقيف في الطائف وقد علم أنهم إذا أجابوه أجابت كل قبائل أهل الطائف وفىِ سيل الدماء من قدمي النبي صلى الله عليه وسلم - وهو النبي الكريم- أكبر مثل لما يتحمله الداعية في سبيل الله من أذى واضطهاد.

وفي عدم دعائه على قومه، وعلى أهل الطائف، وعدم موافقة ملك الجبال في إطباق الَأخْشَبَيْن على أهل مكة أكبر مثل لما يتحمله الداعية في صبره على من رد دعوته، وعدم اليأسِ من هدايتهم، فربما يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا.

ومن حكمته صلى الله عليه وسلم أنه لم يدخل مكة إلا بعد أن دخل في جوار اْلمُطْعم بن عدي، وهكذا ينبغي للداعية أن يبحث عمن يحميه من كيد أعدائه؛ ليقوم بدعوته على الوجه المطلوب (٢).


(١) انظر: زاد المعاد٣/ ٣٣، وسيرة ابن هشام ٢/ ٢٨، والبداية والنهاية٣/ ١٣٧، والرحيق المختوم ص ١٢٥.
(٢) انظر: السيرة النبوية دروس وعبر لمصطفى السباعي ص٥٨، وهذا الحبيب يا محب ص١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>