للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار آخى بينهم على المواساة، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله- عز وجل-: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] (١) ردّ التّوارث إلى الرّحم دون عقد الإخوة (٢).

ذابت عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للِإسلام، وسقطت فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه، وكانت عواطف الأخوة، والإيثار؛ والمواساة، والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال؛ وفي هذه الإخوة أقوى مظهر من مظاهر عدالة الإسلام الإنسانية والأخلاقية (٣).

ولم تكن هذه المؤاخاة معاهدة دونت على الورق فحسب، ولا كلمات قيلت باللسان فقط؛ وإنما كانت مؤاخاة سجلت على صفحات القلوب، وعملا يرتبط بالدماء والأموال، لا كلامًا يثرثر به اللسان، إنها مؤاخاة في القول والعمل، والنفس والمتاع والأملاك، في العسر واليسر (٤).

ومن أروع الأمثلة لذلك ما رواه البخاري في صحيحه «آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالًا، فسأقسم مالي بيني وبينك نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم


(١) سورة الأنفال، الآية: ٧٥.
(٢) انظر: زاد المعاد ٣/ ٦٣، والرحيق المختوم ص١٨٠.
(٣) انظر: فقه السيرة ٣/ ٦٣، والرحيق المختوم ص١٨٠.
(٤) انظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر٢/ ١٦٥، وفقه السيرة لمحمد الغزالي، ص١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>