للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري ومعاذ - رضي الله عنهما - حينما بعثهما في اليمن: «يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرَا ولا تُنفرَا، وتطاوَعَا ولا تختلفَا» (١).

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تُنفِّروا» (٢).

في هذه الأحاديث الأمر بالتيسير والنهي عن التنفير، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الألفاظ بين الشيء وضده، لأن الإنسان قد يفعل التيسير في وقت والتعسير في وقت، ويبشر في وقت وينفر في وقت آخر فلو اقتصر على يسروا لصدق ذلك على من يصر مرة أو مرات، وعسر في معظم الحالات؛ فإذا قال ولا تعسِّروا انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه وهذا هو المطلوب. وكذا يقال في يسّرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا؛ لأنهما قد يتطاوعان في وقت ويختلفان في وقت وقد يتطاوعان في شيء ويختلفان في شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حث في هذه الأحاديث وفي غيرها على التبشير بفضل الله وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، ونهى عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير، وهذا فيه تأليف لمن قرب إسلامه وترك التشديد عليه، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ، ومن تاب من المعاصي كلهم ينبغي أن يتدرج معهم ويُتلطّف بهم في أنواع الطاعات قليلًا قليلًا، وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج فمتى يُسِّرَ على الداخل في الطاعة، أو المريد للدخول فيها سهلت عليه وكانت عاقبته غالبًا الازدياد منها، ومتى عُسِّرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم ولا


(١) البخاري مع الفتح في كتاب المغازي باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع ٨/ ٦٢، ومسلم في كتاب الجهاد والسير باب الأمر بالتيسير وترك التنفير ٣/ ١٣٥٩، واللفظ له.
(٢) البخاري مع الفتح في كتاب العلم باب ما كان صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا ١/ ١٦٣، ومسلم في كتاب الجهاد والسير باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير ٣/ ١٣٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>