للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أحمد: فكان يتكلم هذا فأرد عليه، ويتكلم هذا فأرد عليه، فإذا انقطع الرجل منهم اعترض ابن أبي دؤاد فيقول: يا أمير المؤمنين، هو والله ضالّ مُضِلّ مبتدع، فيقول المعتصم: كلِّموه، ناظروه، فيكلمني هذا فأرد عليه، ويكلمني هذا فأرد عليه، فإذا انقطعوٍا قال المعتصم: ويحك يا أحمد ما تقول؛ فأقول: يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به. فيقول أحمد بن أبي دؤاد: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا؟ (١) فقال أحمد: وهل يقوم الِإسلام إلا بهما؛ وجرت مناظرات طويلة.

قال أحمد: لقد احتجوا علي بشيء ما يقوى قلبي ولا ينطلق لساني أن أحكيه، أنكروا الآثار، وما ظننتهم على هذا حتى سمعته، وجعلوا يرغون، يقول الخصم كذا وكذا، فاحتججت عليهم بالقرآن: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ} [مريم: ٤٢] (٢) أفهذا منكر عندكم؟ فقالوا: شبَّه يا أمير المؤمنين، شبَّه. وطال المجلس، وقام المعتصم ورُدَّ أحمد إلى حبس في البيت، ثم وجه إليه من يبيت معه ويناظره، ثم أُحضِرَ أحمد في اليوم الثاني وناظروه إلى قرب الزوال، ثم قام المعتصم ورد أحمد إلى مكانه، وفي اليوم الثالث جيء به فناظروه، وفي هذه الأيام كلها يعلو صوته صوتهم، وتغلب حجته حجتهم، فغلبهم بالحجة والبرهان (٣) حتى قال عنه صاحب شرطة المعتصم (٤) ما رأيت أحدًا لم يداخل السلطان، ولا خالط الملوك كان أثبت قلبًا من أحمد يومئذ، ما نحن في عينه إلا كأمثال الذبان (٥).


(١) يعني القرآن والسنة!!.
(٢) سورة مريم، الآية ٤٢.
(٣) انظر: سير أعلام النبلاء ١١/ ٢٤٤ - ٢٥٠، والبداية والنهاية ١٠/ ٣٣٣.
(٤) صاحب شرطة المعتصم، هو: محمد بن إبراهيم بن مصعب، وهو أخو إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، نائب المأمون على بغداد. انظر: البداية والنهاية ١٠/ ٢٧٢، ١٠/ ٣٣١، وسير أعلام النبلاء ١١/ ٢٤٠.
(٥) انظر: سير أعلام النبلاء ١١/ ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>