للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - وإما أن كون هذه المخلوقات الباهرة هي المحدثة الخالقة لنفسها، فهذا أيضا محال ممتنع بضرورة العقل، وكل عاقل يجزم أن الشيء لا يحدث نفسه ولا يخلقه؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا؟!

فإذا بطل هذان القسمان عقلًا وفطرةً وبان استحالتهما، تعين القسم الثالث:

٣ - وهو أن هذه المخلوقات بأجمعها: علويها وسفليها، وهذه الحوادث لا بد لها من محدث ينتهي إليه الخلق والملك والتدبير، وهو الله العظيم الخالق لكل شيء، المتصرف في كل شيء، المدبّر للأمور كلها (١) ولهذا ذكر الله -تعالى- هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي فقال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: ٣٥] (٢) ولذلك تأثر جبير بن مطعم بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم تأثرًا عظيمًا، قال -رضي الله عنه-: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ - أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور: ٣٥ - ٣٧] (٣) كاد قلبي أن يطير" (٤) "وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي» (٥).

فالمخلوق لا بد له من خالق، والمصنوع لا بد له من صانع، والمفعول


(١) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ١/ ٦٦، ودرء تعارض العقل والنقل ٣/ ١١٣، والرياض الناضرة للسعدي ص٢٤٧، وتفسير السعدي ٧/ ١٩٥، وأضواء البيان للشنقيطي ٤/ ٣٦٨، وشرح أصول الإيمان لمحمد بن صالح عثيمين ص١٥.
(٢) سورة الطور، الآية ٣٥.
(٣) سورة الطور، الآيات ٣٥ - ٣٧.
(٤) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة الطور، باب حدثنا عبد الله بن يوسف ٨/ ٦٠٣.
(٥) البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب حدثني خليفة، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ٧/ ٣٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>