للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - أو يكون الملك لا يريد نفع رعيته والإحسان إليهم، فإذا خاطبه من ينصحه ويعظه تحركت إرادته وهمته في قضاء حوائج رعيته.

والله -عز وجل- ليس كخلقه الضعفاء، فهو تعالى لا تخفى عليه خافية، وغني عن كل ما سواه، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، ومعلوم أن الشافع عند ملوك الدنيا قد يكون له ملك مستقل، وقد يكون شريكا لهم، وقد يكون معاونا لهم، فالملوك يقبلون شفاعته لأحد ثلاثة أمور:

(أ) تارة لحاجتهم إليه.

(ب) وتارة لخوفهم منه.

(ج) وتارة لجزاء إحسانه إليهم.

وشفاعة العباد بعضهم عند بعض من هذا الجنس، فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة، والله- عز وجل- لا يرجو أحدا ولا يخافه، ولا يحتاج إليه (١)؛ ولهذا قطع الله جميع أنواع التعلقات بغيره، وبين بطلانها، فقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ - وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: ٢٢ - ٢٣] (٢).

فقد سدت هذه الآية على المشركين جميع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك أبلغ سد وأحكمه، فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه، وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود مالكا للأسباب التي ينتفع بها عابده، أو يكون شريكا لمالكها، أو ظهيرا، أو وزيرا، أو معاونا له، أو وجيها ذا حرمة وقدر يشفع عنده، فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه انتفت أسباب الشرك، وانقطعت مواده (٣).


(١) انظر: فتاوى ابن تيمية ١/ ١٢٦ - ١٢٩.
(٢) سورة سبأ، الآيتان ٢٢، ٢٣.
(٣) انظر: التفسير القيم، لابن القيم ص ٤٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>