للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس بأيدي أهل الكتاب عن أنبيائهم ما يوجب الإيمان بهم؛ فلولا القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم ما عرفنا شيئا من آيات الأنبياء المتقدمين، فمحمد صلى الله عليه وسلم وكتابه هو الذي قرر نبوة موسى وعيسى، لا اليهود والنصارى، بل نفس ظهوره ومجيئه تصديقا لنبوتهما؛ فإنهما أخبرا بظهوره، وبشرا بظهوره: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: ٦] (١) فلما بعث كان بعثه تصديقا لهما، قال تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: ٣٧] (٢).

فمجيئه تصديق لهما من جهتين: من جهة إخبارهم بمجيئه ومبعثه، ومن جهة إخباره بمثل ما أخبروا به وشهادته بنبوتهم، ولو كان كاذبا لم يصدق من قبله، كما يفعل أعداء الأنبياء (٣).

ومن أعظم الأدلة على صدقه صلى الله عليه وسلم أنه قال لليهود لما بهتوه: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٩٤] (٤) ولم يجسر أحد منهم على ذلك- مع اجتماعهم غلى تكذيبه وعداوته- لما أخبرهم بحلول الموت بهم إن أجابوه إلى ذلك، فلولا معرفتهم بحاله في كتبهم، وصدقه فيما يخبرهم به لسألوا الله الموت لأي الفريقين أكذب، منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة (٥) ونظير ذلك قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [الجمعة: ٦ - ٧] (٦).


(١) سورة الصف، الآية ٦.
(٢) سورة الصافات، الآية ٣٧.
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل ٥/ ٧٨ - ٨٣، ودقائق التفسير لابن تيمية ٣/ ٣٤، وإغاثة اللهفان لابن القيم ٢/ ٣٥٠، ٣٥١، وهداية الحيارى ص ٦٣٥.
(٤) سورة البقرة، الآية ٩٤.
(٥) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٧/ ٩٩، وتفسير ابن كثير ١/ ١٢٨، ١٢٩، وتفسير السعدي ١/ ١١٤.
(٦) سورة الجمعة، الآيتان ٦، ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>