للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العظمى التي اختص بها دون غيره؛ لأن كل نبي أعطي معجزة خاصة به، تحدى بها من أرسل إليهم، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه؛ ولهذا لما كان السحر فاشيا في قوم فرعون جاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة، لكنها تلقف ما صنعوا، ولم يقع ذلك بعينه لغيره.

ولما كان الأطباء في غاية الظهور جاء عيسى بما حير الأطباء، من: إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص، وكل ذلك من جنس عملهم، ولكن لم تصل إليه قدرتهم.

ولما كانت العرب أرباب الفصاحة والبلاغة والخطابة جعل الله - سبحانه- معجزة نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم القرآن الكريم الذي (١) {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢] (٢).

ولكن معجزة القرآن الكريم تتميز عن سائر المعجزات؛ لأنه حجة مستمرة، باقية على مر العصور، والبراهين التي كانت للأنبياء انقرض زمانها في حياتهم، ولم يبق منها إلا الخبر عنها، أما القرآن فلا يزال حجة قائمة كأنما يسمعها السامع من فم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، ولاستمرار هذه الحجة البالغة قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (٣).

والقرآن الكريم آية بينة، معجزة من وجوه متعددة، من جهة اللفظ، ومن جهة النظم، والبلاغة في دلالة اللفظ على المعنى، ومن جهة معانيه التي أمر بها، ومعانيه التي أخبر بها عن الله- تعالى- وأسمائه وصفاته وملائكته، وغير ذلك من الوجوه الكثيرة التي ذكر كل عالم ما فتح الله عليه


(١) انظر: فتح الباري ٩/ ٦، ٧، وشرح النووي على مسلم ٢/ ١٨٨، وأعلام النبوة للماوردي ص ٥٣، وإظهار الحق ٢/ ١٠١.
(٢) سورة فصلت، الآية ٤٢.
(٣) انظر: البداية والنهاية ٦/ ٦٩، وتقدم تخريج الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>