للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحلم عنه مع أذاه له، ودعا له، واستغفر (١). ولهذا قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: ١١٤] (٢). .

وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين، كانوا من أعظم الناس حلمًا مع أقوامهم في دعوتهم إلى الله - تعالى - (٣). .

ومن وراء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، يأتي الدعاة إلى الله والصالحون من أتباعهم، وإذا كان الله عز وجل قد جعل محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مثلاً عاليًا في الحلم، فقد أراد لأتباعه أن يسيروا على نهجه وسنته، ولذلك يقول - تعالى - عن الأخيار من هؤلاء. {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣] (٤). .

فمن صفاتهم أنهم أصحاب حلم، فإذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا (٥). .

فعن النعمان بن مقرن المزني، قال: «قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وسبّ رجل رجلًا عنده، فجعل المسبُوبُ يقول: عليك السلام، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: " أما إن ملكاً بينكما يذب عنك كلما يشتمك هذا، قال له: بل أنت وأنت أحق به، وإذا قال له: عليك السلام، قال. بل لك، أنت أحق به» (٦). .

فهؤلاء الدعاة إلى الله والصالحون إذا خاطبهم الجاهلون قالوا صوابًا


(١) انظر: تفسير ابن كثير ٢/ ٣٩٦، والبغوي ٢/ ٣٣٢، والأخلاق الإسلامية للميداني ٢/ ٣٣٢.
(٢) سورة التوبة، الآية ١١٤.
(٣) انظر: تفسير ابن كثير ٢/ ١١٤، وموسوعة أخلاق القرآن للشرباصي ١/ ١٨٥.
(٤) سورة الفرقان، الآية ٦٣.
(٥) انظر: البداية والنهاية لابن كثير ٢/ ٣١٠، والإصابة في تمييز الصحابة ١/ ٥٥٦، ومجمع الزوائد ٨/ ٢٤٠.
(٦) رواه الإمام أحمد في المسند ٥/ ٤٤٥، وقال ابن كثير في تفسيره: إسناده حسن ٣/ ٣٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>